انحسر خطر توسيع الحرب في منطقة الشرق الأوسط الى حدّ ما، لا سيما بعد أن انتهى ردّ حزب الله على “إسرائيل” لاغتيالها المستشار العسكري للأمين العام لحزب الله فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية منذ أيّام. وعادت الأمور بين الحزب و”إسرائيل” عند الجبهة الجنوبية الى طبيعتها قبل الهجوم على الضاحية. غير أنّ “إسرائيل” ترى بأنّ ردّ إيران على اغتيالها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران والذي لم يحصل بعد، لا يزال يُشكّل خطراً عليها. فهل سيؤثّر ردّ طهران على المفاوضات وعلى جبهة الجنوب؟ وهل سيؤدّي مجدّداً الى مخاطر توسيع الحرب في المنطقة؟
تقول مصادر سياسية عليمة بأنّ حزب الله قد أوفد رسالته الى “إسرائيل”، وثأر منها لاغتيالها شكر، في ما ذكرت هذه الأخيرة بأنّها نفّذت خطوة إستباقية على الحزب. وأظهرت المواجهات العسكرية ما بعد الردّ أنّ الأمور رغم التصعيد، عادت الى وتيرتها السابقة وفق معادلة “ضربة مقابل ضربة”، وهي ستستمر بين الجانبين على هذا المنوال الى حين نجاح المفاوضات بشأن وفد إطلاق النار في غزّة. وهذا ما يُسمّى بـ “حزب الإستنزاف”.
وبعد الجولتين الأولى في الدوحة والثانية في القاهرة، كشفت المصادر نفسها بأنّ المحادثات ستتواصل خلال الأيام المقبلة في القاهرة، ربّما في جولة ثالثة. ويجري الحديث عن أنّ المفاوضين قرّروا تأجيل البحث في العناوين الخلافية، لا سيما في مسألة محور “فيلادلفيا” وممرّ “نيتساريم”، والبحث في العناوين الأخرى التي يُمكن التوافق عليها للوصول الى إبرام الإتفاق وصفقة تبادل الأسرى. فما تسعى اليه الدول المعنية هو التهدئة في المنطقة، وخفض التوتر وعدم الذهاب الى التصعيد من قبل أي جهة، إفساحاً في المجال لإحلال السلام في المنطقة، وعودة المستوطنين الى المستوطنات الشمالية كما الى غلاف غزّة، فضلاً عن الذهاب الى الإنتخابات الرئاسية الأميركية مع خفض كبير في التوتّرات الأمنية في الشرق الأوسط وفي أوكرانيا أيضاً.
أمّا إيران فقد جدّدت تهديدها “لإسرائيل”، على ما أشارت المصادر، بعد ردّ الحزب على اغتيال شكر، بأنّها سوف تردّ على اغتيال هنية. وأعلنت أنّ “ردّ حزب الله أفقَدَها قوّة الردع، وأنّ التوازن الاستراتيجي قد تغيّر بشكل ليس في صالحها”. علماً بأنّ “إسرائيل” تفكّر اليوم بالقيام بخطوة إستباقية، وفق المعلومات، على كلّ من إيران والعراق واليمن. ويعتقد البعض بأنّ ردّ طهران قد لا يأتي حالياً، وإن كان الإيرانيون يتحدّثون عن “ردّ حتمي ودقيق ومحسوب”، من أجل ترك الباب مفتوحاً أمام مفاوضات الإتفاق النووي مع واشنطن. ولكن يؤكّد الخبراء أنّ طهران ستردّ، ولكن لا أحد يعلم حتى الساعة كيف ومتى، ما سيجعل “إسرائيل” مضطرة الى البقاء في حالة جهوزية وقلق للدفاع عن نفسها داخل الأراضي الفلسطينية المحتلّة.
وذكرت المصادر عينها بأنّ إيران رغم ذلك، ستعمد الى ردّ لا يستفزّ “إسرائيل”، ويأتي على غرار ردّ حزب الله، ولا يؤدّي الى توسيع الحرب في المنطقة. فهي لا تسعى الى تصعيد التوتّر رغم أنّها لا تخشى منه، على عكس العدو المتحمّس للحرب، والذي يُواصل تهديداته بشنّ حرب شاملة في المنطقة. كما يُحاول “الإسرائيلي” في الوقت نفسه القيام بإنجازات، مثل تحرير بعض الرهائن، وآخرهم المحتجز فرحان القاضي الذي جرى تحريره من أنفاق غزّة. غير أنّ هذا لا يُعتبر انتصاراً لها، لا سيما بعد قتلها 6 أسرى “إسرائيليين” أخيراً من خلال قصفها على القطاع، وبقاء 108 رهينة لدى حركة حماس والمقاومة الإسلامية لا تعرف مكان احتجازهم، ولا مصيرهم.
من هنا، تجد المصادر بأنّه من الأفضل أن تُوافق “إسرائيل” خلال المحادثات المرتقبة على اتفاق لوقف إطلاق النار في غزّة، لأنّ من شأنه أن ينعكس إيجاباً على جبهات المقاومة الأخرى، ولا سيما لبنان واليمن والعراق. فإذا كانت تريد فعلاً إعادة المستوطنين الى منازلهم قبل العام الدراسي المقبل، عليها خفض شروطها خلال المفاوضات. وإلّا فإنّ هؤلاء سيبقون خارجها لعام إضافي بعد وربّما أكثر، لا سيما إذا قرّرت توسيع دائرة الحرب عند الجبهة الجنوبية. وهذا الأمر يجعل هؤلاء يغادرون البلاد الى دول أخرى يحملون جنسياتها… ولهذا ليس على “إسرائيل” اليوم القيام بخطوات غير مدروسة النتائج، لأنّها لا تعلم الى أين ستودي بها في نهاية المطاف.
وأكّدت المصادر السياسية بأنّ الأجواء تشير الى قرب التوصّل الى التهدئة في غزّة، وقد طالبت منظمة الصحة العالمية أخيراً بهدنة لثلاثة أيّام تسمح لها بتمرير لقاحات الأطفال ضدّ الشلل، وضد أوبئة أخرى ألمّت بهم خلال أشهر الحرب الماضية منذ 7 تشرين الأول الفائت وحتى يومنا هذا. وفي حال جرت الموافقة على وقف القتال، فإنّ القطاع يُمكنه عندها أن يتنفّس الصعداء لفترة وجيزة، بعد الهدنة اليتيمة لمدّة أسبوع واحد فقط، جرت في بداية الحرب على غزّة.