Site icon IMLebanon

تجربة الـ90 الرئاسية ووراثة روسيا للأدوار الفرنسية

في الوقت الذي كانت فيه طائرات «السوخوي» الروسية تعمل على تكثيف غاراتها لتأمين التقدّم البرّي الذي ينفذه الجيش السوري مدعوماً بوحدات من «حزب الله» ومجموعات موالية لإيران في إطار خطة السيطرة المطلقة على كامل مساحة ما بات يُعرف بسوريا المفيدة، كانت حركة طالبان تسيطر على مساحات جديدة شمال أفغانستان أو الجار المزعج لإيران شرقي حدودها.

في المناطق الغربية لحدودها يتّضح التنسيق الاميركي – الروسي اكثر فأكثر. تواصل بين غرف العمليات بهدف معلن وهو تحاشي أيّ احتكاك جوي بين طائرات البلدين، فيما الهدف الفعلي تنسيق كامل للعمل الذي لا تقدر واشنطن على تنفيذه وتتولاه موسكو وهو التحضير للخريطة الجيو- سياسية المقبلة لهذه المنطقة.

وفي هذا المجال اعتبر «معهد الدراسات الحربية» أنّ تعزيز روسيا لتواجدها العسكري في سوريا يُعتبر خطوة تؤشر الى انبلاج عصر جيو- سياسي وامني جديدين يتخطّى أهمية اوضاع المسرح السوري بكثير.

وحسب دراسة لهذا المعهد أُجريت أخيراً فإنّ توافد القوات العسكرية الروسية يعطي موسكو القدرة على شنّ عمليات في عموم الهلال الخصيب وشرقي البحر المتوسط. وحسب الدراسة نفسها فإنّ روسيا وللمرة الاولى في التاريخ تستعرض قوّتها خارج حدود البحر الاسود.

وألمحت هذه الدراسة بطريقة غير مباشرة الى دور كبير ينتظر روسيا مستقبلاً وهو لن يكون مرهوناً بزمن العمليات العسكرية لا بل على العكس فإنّ هذه العمليات ستؤسس لدور روسي أساس لطالما بحثت عنه منذ تفكّك الاتحاد السوفياتي.

فإضافة الى أنّ الولايات المتحدة الاميركية ومعها الدول الاوروبية قطفت اولى ثمار التدخل الروسي في سوريا من خلال إرساء هدنة ثابتة في أوكرانيا، فإنّ واشنطن تراهن على دور روسي قادر على سحب زمام المبادرة في هذه المنطقة من يد طهران حيث تيار المحافظين ما يزال يحظى بتأثيره الكبير في القرارات الايرانية.

وفي الوقت نفسه يعتقد الكثير من الباحثين بأنّ طهران غير قادرة على الشغب على روسيا لا بل على العكس فهي بحاجة لهذا الدور بسبب تعاظم دور التنظيمات المتطرِّفة غرباً في العراق وسوريا وشرقاً في أفغاستان.

لذلك تستعدّ روسيا لدور اساس في الشرق الاوسط، وعلى اساس التزام حماية الاقليات وتنظيم اوضاعها. وهو الدور الذي لعبته فرنسا تاريخياً الى جانب بريطانيا. لذلك مثلاً لم يكن مفاجِئاً ظهور العلم الروسي القديم أيْ علم ما قبل الثورة البولشيفية في التظاهرة الشعبية التي نظّمها «التيار الوطني الحر» بالأمس.

وتكفي المقارنة مع تظاهرات العام 1989-1990 أيام قصر الشعب وتظاهرة اليوم، يومها كان ظهورُ الأعلام غير اللبنانية حكراً على العلم الفرنسي فيما اليوم يبدو الواقع وقد تغيّر. في المقابل يبدو المحورُ المواجه لإيران بحاجة ايضاً للدور الروسي، وتأتي زيارة ولي ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان الى موسكو أبرز مؤشر في هذا الاتجاه.

وبدا أنّ هذه الزيارة ستمهّد للقاء قمة بين الرئيس الروسي والملك السعودي حيث يُحكى عن مشروع سعودي لإقامة منشآت نووية في السعودية لأغراض سلمية ستتولّى موسكو تنفيذه. كلّ ذلك يعطي روسيا موقعاً مساعداً لتأمين ولادة تسوية سياسية حالَ انتهاء العلمليات العسكرية والتي من المتوقع أن تشكل حلب خاتمة لها.

لذلك ربما يربط المراقبون تطوّر الأحداث مع الرسالة الدموية التي نفّذها «داعش» في أنقرة ولو من خلال تظاهرة داعمة للأكراد، ذلك أنّ الحكومة التركية باتت محشورة لجهة قطع شرايين التواصل مع «داعش» لا بل والمساعدة في فكّ رموزها العسكرية والميدانية.

هنالك مَن اعتبر أنّ «داعش» أراد أن يحذّر الرئيس التركي رجب طيب اردوغان من الذهاب في اتجاه الانخراط في الصفقة على حساب داعش وهو الذي يتحضّر لانتخابات صعبة كما تبدو بوادرها حتى الآن. لكنّ «داعش» والذي يحتاج بشدّة «للأوكسيجين» التركي أرسل رسالته الدموية بشكل ملطّف عبر البريد الكردي أو الخصم المشترَك لأردوغان وداعش.

بانتظار ذلك كان من المفترض على لبنان أن ينتظر لحظة بدء المفاوضات السورية لكي يصبح ملفّه على الطاولة ايضاً. لكنّ الصراع الداخلي يتّجه الى التصاعد ويؤشر لعواصف سياسية في كلّ الاتجاهات، وهو ما يعني أنّ الحرب المستعرة في سوريا ستواكبها عواصف سياسية في لبنان.

وفيما يعتبر البعض أنّ هذا الصراع سيسمح بإعادة تحديد الأحجام قبل الولوج في الحلول السياسية، فإنّ البعض الآخر يحلو له العودة بذاكرته الى مرحلة 1988-1990 ليقول إنّ المرحلة اليوم هي نفسها مع فارق أساس أنها كانت تُخاض بالمدفع سابقاً فيما هي تُخاض بالمواجهات السياسية العنيفة الآن.