نستهل هذه الكلمة… «بخبريات» استقالة حكومة الرئيس دياب، رحمها الله، حيث لا يجوز على الميت إلاّ طلب الرحمة له، والغفران على ما ارتكبه من سيئات، وننتقل فورا إلى حياتنا المأساوية في هذا البلد المنكوب وصولا إلى فاجعة الرابع من آب وما أسفرت عنه من آلام ومصائب.
وبعد هذه الكارثة التي ألمت بلبنان وببيروت، على وجه التحديد، وبعد موجات الموت والخراب والذهول والألم التي طاولت كل لبناني وكل عربي وأوروبي لديه ذرّة محبة وود وتقدير للبنان، أحد منابع الحضارات القديمة والحديثة في هذا العالم الذي تحكمه في هذه الايام السوداء جائحة الكورونا ونتائجها ورواسبها الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، وبعد مرور بضعة أيام استُغرِقت في الاستفاقة من موجة الذهول وصدمة المصيبة التي حلّت بالبلاد والعباد، استرجع البيروتيون واللبنانيون وعيا وإدراكا وثورة في أقصى حالات الغضب، استولت عليهم جميعا وهم لا يصدقون أن كارثة «نووية» بهذا الحجم وهذا الهول وهذا الشمول، قد حلّت عليهم وعلى حياة مواطنيهم وأبنائهم وعلى منازلهم وما تبقى لهم من متاجر مفتوحة الأبواب وخالية من الحركة والزبائن وآفاق الارتزاق والحياة الكريمة، ولعل أغرب النتائج، المتأتية عن ذلك الانفجار «النووي» في واحد من أهم الانفجارات والكوارث التي حلت مؤخرا بالعالم بأسره، أن المسؤولين من أعلى القمة إلى أسفلها، ينفضون أيديهم من مجرد العلم بأوضاع الجريمة المرتكبة حيث ينفي كل منهم علاقته بها ومسؤوليته عن أحداثها الدامية والقاتلة ويلحقها بالآخرين في إطار موجة مذهلة ومخيفة من رمي الجمرات المحرقة والنيران الملتهبة على مسؤول مفترض ومختلق، متجاوزين جملة من الحقائق التي تحتاج إلى إجابات محددة، وإلى وضعها في إطارها القانوني والإداري الصحيح، لتصدح منها حقيقة تقول لمن لحقت بهم نتائج هذه المأساة: هؤلاء هم المسؤولون. الحقيقة الأولى التي ينتظر اللبنانيون الوصول إليها: هي الجهة شديدة الوطنية والإنسانية والتي تحتمي بأحكام الدين والشرع والشرعية المغتصبة، والتي أودعت كلّ هذه الهدايا «النووية» المتفجرة في هذا الموقع الحيوي في بيروت، كيف ولماذا اختزنتها في قلب العاصمة وفي صلب الكثافة السكانية البيروتية؟ ولماذا وقد أتحفتنا هذه الجهة بهديتها الغرّاء لم تعمد إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة والضرورية لمنع الانفجار «النووي» وحماية العاصمة من كل هذا الموت والخراب والدمار الذي خلفته مأساة الانفجار من كوارث بين الناس وأرواحهم ومنازلهم وأماكن رزقهم!؟
بعد ذلك… نعود إلى دولتنا العليّة بمسؤوليها جميعا، بمن فيهم علاة المقام والكراسي والمناصب، وبمن فيهم من يتولون مهاما في الإدارات العامة والقضاء الموقر ومرفأ بيروت المبجل، من هو ذلك المتواطئ في وضعية الإخفاء والتلطي والتآمر على أرواح الناس وعلى مدينة بأسرها حيث كانت هذه المسؤولية المجرمة سببا في إخراج مدينة بأسرها سكانا ومنازل ومتاجر وسلامة عامة زالت من الوجود. نعود بالتحديد الى مسؤوليْن كبيريْن تتوجه إليهما الأنظار والاتهامات التي انطلقت بتهم فاضحة بعد أن تفجرت بسببها مدينة بأسرها، وبعد أن صرّح مسؤولاها الكبيران أنهما يرفضان مع الأسف أن يكون التحقيق في خبايا وخفايا هذه الماساة دوليا، ويعتبر أحدهما أن مثل هذا التحقيق، مضيعة للوقت، متجاهلا أن خراب بيروت كان مضيعة للوطن بأسره وأن الماساة «النووية» التي ألمت بلبنان كانت مضيعة لما يزيد على المائتي شهيد ومفقود وكأن الثقة بالمسؤولين وكبار الإداريين والأمنيين وبعض القضاة الأجلاء ما زالت على وضعها وسلامتها التي لا تشكو من أي مأخذ. لم يعد لدى اللبنانيين ثقة ولا يتوقعون أية مصداقية ولا ينتظرون من مسؤوليهم كبارهم والصغار، إلاّ مزيدا من المرافعات الشعبوية والمراهنات والتغطيات الفاشلة، بكل الوسائل التي اتقنوها وما زالوا في خضمها يستعملون الأساليب الملتوية نفسها للتخلص من المسؤوليات الجسيمة الحاصلة، ومتابعة الإمساك بخناق البلاد والعباد.
أيها المسؤولون الكبار، هل مرّت عليكم اللقاءات الحافلة التي كانت للرئيس الفرنسي ماكرون مع جموع الشعب الغاضب والثائر على ما فعلتم به وأحدثتم لديه من موت وخراب ودمار؟
هل سمعتموه وهو يوجه إليكم الاتهامات والشتائم ويقول لكم إن المساعدات الإنسانية للبنان المنكوب ستوجه للشعب مباشرة دون المرور برؤسائه وزعماته وبمسؤوليه، وفهم الجميع كفاية، لماذا هذا الاعتبار وهذا الموقف يطاول سمعة وكرامة مسؤولينا الأشاوس.
هل وصلت إليكم أخبار المؤتمر الدولي لنجدة لبنان إنسانيا ورأيه ورأي دوله الأوروبية والعربية فضلا عن الأميركية فيكم هو مطابق لرأي الرئيس ماكرون، وقد وصلت إلى الجميع أصداؤه وخلاصة مقرراته.
إياكم أن نسمع منكم أن اهتمام المجتمع الدولي والعربي بمنكوبي هذه العاصمة هو اهتمام بكم وبالخزي والعار الذي يغمركم، فأنتم خارج كل حساب وتدخلون جميعا في آفاق المحاسبة على ما تقترفون بحق هذا الشعب المنكوب.
أيها المسؤولون جميعا: لقد آن أوان الحساب والعقاب… والتغيير الشامل، آت لا ريب فيه.