IMLebanon

قيد التداول: تمديد للمجلس ثم عون؟

 

 

منطقي أن «يحَلِّق» الرئيس سعد الحريري خارج البلد، وفي جيبه ورقة التكليف. فهو يدرك، كما الجميع، أنّ لا خرق ممكناً في ملف التأليف حالياً، وأنّ العقدة الحقيقية لا تكمن في تفاصيل المماحكات الصغيرة التي يُحكى عنها بينه وبين رئيس «التيار الوطني الحرّ» جبران باسيل. إنّه في الصراع العميق على السلطة: في أي محور إقليمي سيكون لبنان؟ وتالياً، لمَن ستكون السلطة بعد عامٍ إذا جرت الانتخابات النيابية، وبعد 6 أشهر أخرى عندما تنتهي ولاية الرئيس ميشال عون؟

الجميع يتصرّف على أساس أنّ الحكومة التي ستولد يوماً ما، بعد حكومة الرئيس حسّان دياب، سيكون دورها استثنائياً، وأنّ رئيسها سيكون له موقعه في تقرير مصير الانتخابات النيابية والرئاسية، وربما يبتسم له الحظّ ليكون الرجل الأقوى في الجمهورية، العام المقبل، إذا تعذَّر انتخاب رئيس جديد لأي سبب كان.

 

لذلك، الصراع الحقيقي في الملف الحكومي يدور اليوم حول الآتي: هل سيتنازل الأقوياء، في المجلس النيابي ورئاسة الجمهورية، عن امتياز القوة ويمنحونها إلى رئيس الحكومة؟ وما الذي يضطرهم إلى تقديم هذا التنازل، إذا كانوا يتمتعون بكل عناصر القوة داخلياً وإقليمياً؟

 

إذاً، الهدف الحقيقي الذي يريد فريق السلطة بلوغه، في مسألة التأليف، هو: تطويق رئيس الحكومة الآتي، بحيث لا يحتكر القرار الأول في السلطة التنفيذية، إذا شاءت الظروف أن تتعطّل الانتخابات الرئاسية، كما حصل بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان في العام 2014، وحتى انتخاب عون في العام 2016.

 

وفي اختصار: كيف يمكن السيطرة على الحكومة، سواء بإسقاطها أو بتعطيلها أو بضبط حركة رئيسها، عندما تدعو الحاجة إلى ذلك، بحيث يبقى القرار مضموناً في أيدي القوى النافذة حالياً، أياً كانت الظروف؟

 

تعتبر هذه القوى، حتى اليوم، أنّها انتصرت في المعركة على خصومها وأحبطت الانتفاضات منذ 17 تشرين الأول 2019. وهي لا تريد أن تضيع انتصاراتها بالخضوع لمواقيت الاستحقاقات الدستورية الآتية خلال الأشهر الـ18 المقبلة، أي الانتخابات النيابية والرئاسية.

 

في تقدير محور طهران، إنّ ولادة حكومة كاملة الولاء له ضرورية لتبقى بيروت رأس الجسر الإيراني الممتد عبر بغداد ودمشق. ولذلك، إما أن تتكرَّس سلطته بحكومة جديدة، وإما أن يبقى القديم على قِدَمه ويُمنَع التغيير في السلطتين التشريعية والتنفيذية.

 

واقعياً، يصعب حسم الاتجاه في لبنان عندما تكون المنطقة كلها في مخاضٍ سياسي عنيف. فـ»الكباش» الأميركي- الإيراني لم يُحسَم بعد. والاتصالات الجارية بين المملكة العربية السعودية ودمشق لم تظهر نتائجها. وجاءت مواجهات غزّة لتضيف انتظاراً جديداً ودوراً لإسرائيل داخل المشهد في الشرق الأوسط. فالانتظار الإقليمي هو الذي يكرِّس وضعية الانتظار في الداخل اللبناني.

 

وفي المعلومات، أنّ طهران وحلفاءها اتخذوا قراراً بتأجيل تشكيل الحكومة في لبنان، ما دام متعذراً إمساكهم بقرار التأليف. ولا تتعلق المسألة بكون الحريري رئيساً للحكومة أو سواه. فالرجل تعايش طويلاً مع حلفاء طهران بلا أزمات. وخصوم إيران يأخذون عليه أنّه «ليس صلباً» في الوقوف ضدّ إيران وحلفائها.

 

مشكلة حلفاء إيران تتعلق بتركيبة الحكومة الموعودة وبرنامجها ومركز الثقل السياسي الذي يتكفّل بتحريكها في هذا الاتجاه أو ذاك. وهم يترقّبون انتهاء خلط الأوراق الجاري في المنطقة ليستكملوا رسم خطتهم للمرحلة اللبنانية المقبلة. فلبنان موجود على طاولة التفاوض الإقليمي- الدولي، وهو جزء من المقايضات المطروحة (لبنان، اليمن، سوريا، غزّة، العراق…).

 

هناك مَن يعتقد أنّ الولايات المتحدة والغربيين لن يتركوا لبنان ملحقاً بالمحور الإيراني، وأنّهم سيواصلون التشدُّد في الحصار والعقوبات حتى فكّ ارتباطه بإيران. لكن الإيرانيين، في المقابل، لا يفكِّرون في التنازل. وعلى العكس، وفق المطلعين، هم يقومون بتحضير الخطط البديلة، لمواجهة أي احتمال، على جبهات الحكومة والمجلس ورئاسة الجمهورية:

 

1 – ينفّذون حالياً قراراً بتجميد تشكيل الحكومة والإبقاء على حكومة تصريف الأعمال الحالية إلى أن تنجلي صورة التفاوض والصراع إقليمياً.

 

2 – يقوم بعض حلفائهم بتحضير الأجواء بهدوء لقرار التمديد للمجلس النيابي عاماً كاملاً، بحيث يكون المجلس النيابي الحالي هو المولج انتخاب رئيس للجمهورية قبل تشرين الأول 2022، علماً انّ هذا الاتجاه يلقى تحفظاً من مرجعيات سياسية وقوى نيابية اساسية تصر على اجراء الانتخابات في مواعيدها الدستورية.

 

3 – إذا لم تكن الظروف مؤاتية لانتخاب المرشح المناسب لهذا الفريق، فإنّ هناك اتجاهاً لدى بعض القوى لابتكار صيغة تقضي بالتمديد للرئيس ميشال عون، تحت عنوان «الظروف الاستثنائية». وهذا المخرج يلقى ايضاً اعتراض قوى في فريق السلطة.

 

في اي حال، هذه الخيارات كلها مرهونة بالوقت وبمعادلات القوة ونتائج المفاوضات الجارية على أقنية عديدة. وبالتأكيد، يبدو مبكراً جداً تقدير: هل تنجح هذه الخطط في ضمان نفوذ المحور الإقليمي؟ وهل يتاح لطهران أن تمدّد بلا اعتراضات دولية؟ وهل يتنازل المحور الإيراني في لبنان مثلاً للحصول على مكاسب في مناطق أخرى أو العكس؟

 

العديد من الخبراء يميلون إلى الاعتقاد بأنّ طهران تعتبر لبنان أولوية لها، وأنّها ستتشبّث بسيطرتها على قراره وبإبقائه دائراً في فلكها، على بوابة المتوسط وأوروبا وحدود إسرائيل. وبناء على هذا الإصرار، يمكن تصوُّر حدّة الصراع المتوقع في لبنان بين إيران وخصومها، واحتمالات التفجير وطبيعة التسويات المحتملة.