IMLebanon

أنجح فشل ممكن!

تماماً، مثلما «نجحت» بقايا سلطة الأسد في «الانتقال» من المسطومة لتحصين مواقعها في أريحا، «نجحت» القوات التي كانت محاصرة في مستشفى جسر الشغور في كسر طوق الحصار.. والانسحاب إلى مواقع جديدة! بانتظار تطورات تسمح لها لاحقاً بتحقيق «نجاحات» إضافية من الطراز ذاته بحيث تبقى على تنقّلها «الناجح» حتى تصل إلى المربع الأخير «بنجاح»!

هذه هي السلطة الوحيدة في العالم التي تعلن بفخر عزّ مثيله، عن هزائمها، وتضع فشلها في سياق «نجاحها» الدائم في كل ما تقوم به.. حتى لو كان ذلك هو هذا الاندحار الميداني المتتالي من مواقعها والتراجع إلى نقاط وخطوط دفاعية جديدة!

وطبيعي أن تتوالى «نجاحات» السلطة الأسدية على مدى السنوات الأربع الماضيات إلى حدود فقدان السيطرة على ثلاثة أرباع سوريا، طالما أن خطابها المعلن يعكس بدقّة وأمانة، طبيعتها الأولى والخام: سلطة فئوية مركّبة، سيطرت على الحكم بالعنف الضاري واعتمدت في حراكها الداخلي (والخارجي) الإرهاب قانوناً ثابتاً.. وعند أول تحدٍّ فعلي وواسع النطاق أظهرت مدى غربتها عن الناس والحقائق، وافترضت عن خطأ «ناجح»، ان العنف البلاغي التزويري يعطي نتائج موازية للعنف المجسّد والملموس. وأنها في المحصلة، قادرة على الاستمرار في تخبئة مكنوناتها الفئوية بالشعارات العامة، وصغائرها وارتكاباتها بالكلام الصغير الذي كانت تظنه كبيراً.

والحاصل هو أن مفردات البيان الأسدي الممانع وتركيباته اللغوية (من لغو وليس لغة!)، كانت الدلالة الأبرز والأوضح على خواء السلطة وفقدانها أي وسيلة «إقناعية» خارج منظومة العنف. أي أن الخلاصة التي انتهى إليها المتلقي السوري أدت إلى مراكمة الوعي بالقدرة على التحدي والرفض والانقضاض المضاد.. والحسبة بسيطة ويجتمع في اعتناقها أي سوري بغضّ النظر عن مكانته الاجتماعية، وطبيعة عمله أو مستواه التعليمي. بحيث إن فلاحاً أو مزارعاً في الريف أمكنه أن يقول ما يقوله الاستاذ الجامعي في دمشق: كيف يمكن هذه السلطة أن تدلّل على فرادتها وريادتها وادعاءاتها، الوطنية والإقليمية، إذا كان الناطقون باسمها على هذا القدر من الوضاعة (كي لا يُقال شيئاً آخر) وعلى ذلك القدر من السفّ والزبائنية؟ وكيف يمكن أن تكون هذه السلطة قوية بالعمق إذا كان بيانها المكشوف بهذه الركاكة والهشاشة؟!

حاصل مراكمة هذا الوعي المشترك فَعَل فعله في إنضاج لحظة تفجير العمل لبدء معركة إسقاط السلطة.. وفي «الإيمان» التام بالقدرة على تحطيم عنفها ومسح بنيانها بالأرض. وما يجري اليوم في إدلب ودير الزور وعموم الشمال السوري، كما في غيره، جنوباً وشرقاً وغرباً، ليس سوى متابعة (متفجّرة) لمسيرة تحطيم ما تبقى من منظومة الكذب «الناجح» تلك.. وكل الأمل، هو أن يبقى ذلك الخطاب السلطوي على ما هو عليه، ويستمر في القول إنه «يعيد تجميع قواته» بـ«نجاح»، حتى اللحظة الاخيرة.. لحظة الفشل التام و«الناجح» بدوره، ومن دون شك!