IMLebanon

السقوط

كان سقوط طاولة الحوار مدوّياً مهما حاول المتحاورون التخفيف من حدّة صدمة المواطنين، بخلق الذرائع حيناً والتخبئة وراء اللجان وورشات العمل حيناً آخر، فالذي حصل في جلسات الحوار الثلاث من مناقشات عقيمة تدل على مدى اتساع الهوّة بين المتحاورين، وإن كان كل منهم يدّعي أمام الرأي العام بأنه السبّاق إلى العمل والتعاون مع الآخرين لإيجاد حل للأزمة العالقة منذ أكثر من سنتين والتي بات استمرارها يشكّل خطراً داهماً على الكيان، وتدلّ على أن أحداً منهم لا يملك قرار نفسه، وأنه متلقّي ينفّذ ما يوحى إليه من تعليمات وحتى إيحاءات في معظم الأحيان وهو يدّعي أنه صاحب القرار ولا وصاية عليه من أحد.

مثل هذا الكلام سمعه اللبنانيون كثيراً على ألسنة بعض القيادات، من على المنابر وفي الصالونات والمجالس الضيّقة أو من خلال التسريبات، لكن مثل هذا الكلام هو في الواقع ضحك على ذقون اللبنانيين كما يقول المثل الدارج، ومحاولة الهروب إلى الأمام كي لا تتحمّل وحدها مسؤولية ارتهانها إلى الخارج وتنفيذ مآرب ومشارب هذا الخارج، ولو كان ذلك على حساب أمن وسلامة واستقرار واقتصاديات هذا البلد، وما طرحه في جلسات الحوار هذا البعض من طروحات لا تمتّ إلى الحل بأي صلة لهو خير برهان على الارتهان للخارج الذي بات واضحاً وضوح الشمس في عز شهر آب أنه لا يريد حلاً للأزمة اللبنانية بل يريد أن يبقى هذا البلد رهينة بين يديه وورقة مساومة في اللعبة الإقليمية.

لا نستطيع تحميل الرئيس نبيه برّي وحده مسؤولية فشل طاولة الحوار الوطني وجلساتها الثلاث التي علّق عليها اللبنانيون بمختلف مكوّناتهم وشرائحهم آمالاً عريضة، متوسّمين من أركان الطاولة التعاون الإيجابي والخروج باتفاق تام على رئيس يُعيد انتخابه انتظام المؤسسات الدستورية المتهاوية الواحدة تلو الأخرى من مجلس نواب معطّل وحكومة مشلولة تكاد أن تتحوّل إلى تصريف أعمال واقتصاد يتهاوى ونمو لا يرقى إلى الصفر، بل يتحمّل المسؤولية جميع الذين شاركوا في الجلسات الحوارية الثلاث لأنهم أولاً لم يكشفوا للرأي العام اللبناني صراحة وبكل صدق من يعطّل الوصول إلى اتفاق على رئيس للجمهورية وإن كان بعضهم يهمس باسم حزب الله الذي يتلقى تعليماته من إيران وكان آخرها زيارة بروجردي إلى بيروت والرسائل التي وجهها والتي تشي تماماً وكمالاً بأن إيران تقف وراء تعطيل الاستحقاق الرئاسي، لأنها جعلت من لبنان رهينة في يدها من خلال ربيبها المخلص حزب الله وحلفائه من العماد ميشال عون والنائب سليمان فرنجية المرشحين من قبل مكوّنين أساسيين في 14 آذار لاحتلال موقع رئاسة الجمهورية.

الفشل مسؤولية الجميع ولا يجوز أن يستثنى أحد منهم والإدّعاء بأن التعطيل هو حق دستوري، باطل ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن يقبل به رئيس مجلس النواب المؤتمن على انتظام تطبيق الدستور والعمل به بحكم كونه رئيساً للسلطة التشريعية وبحكم أنه المسؤول الأول عن تطبيق أحكام الدستور شاء من شاء وأبى من أبى.