«نزلة الرحاب» في الغبيري: فاصل إسمنتي أم «جدار فصل»!
«معركة» حول توسيع الطريق وتحسينه
«فاصل إسمنتي» لا يكاد طوله يتجاوز المتر، أشعل «حرباً» بين بلدية الغبيري و«مالكي» المحالّ المحاذية لـ«نزلة الرحاب»، بين السفارة الكويتية وجسر المطار. مشروع البلدية لتوسيع الطريق وإنشاء «خط خدمات»، يُواجه باتهامات ترفع شعارات «كبيرة» من نوع «فصل عنصري» و«إذلال الفقراء»
«الرحاب» محطة وقود قرب السفارة الكويتية، أعطت اسمها لواحد من أكثر مداخل الضاحية الجنوبية ازدحاماً. محالّ لبيع «كل شيء»، وخصوصاً المفروشات الرخيصة، تزاحم بمعروضاتها السيارات على الشارع غير الواسع أساساً. تعبر هذا الخطّ الذي يصل السفارة الكويتية بالحازمية عشرات آلاف السيارات يومياً، وتسبّب زحمة سير خانقة، يعزوها مسؤولو بلدية الغبيري إلى «احتلال» أصحاب المحلات الأرصفة وجزءاً من الشارع، فضلاً عن الشاحنات التي تنتظر إفراغ حمولاتها أو تعبئتها، وتدافع الفانات وسيارات الأجرة لـ«اصطياد» الزبائن الذين يقصدون سوق صبرا الشعبي المجاور.
ولأن «الأمر لم يعد مقبولاً، سواء لجهة البسطات التي أكلت الأرصفة وجزءاً من الطريق، أو لجهة تراكم النفايات والروائح المنبعثة منها»، فإن «تنظيم المنطقة أمر لا مفرّ منه»، بحسب رئيس بلدية الغبيري معن الخليل، وهو في الوقت نفسه «لن يمرّ إلا على دمائنا»، وفق المعترضين على مشروع التنظيم.
المشروع ــــ المشكلة يقوم على الاستفادة من التراجعات الموجودة أمام المحالّ القائمة لإنشاء «طريق خدمات» (Service Line) منفصل عن الأوتوستراد الذي سيوسّع ليضم ثلاثة خطوط للسير في كل من الاتجاهين. ويضمّ «خط الخدمات» الذي يفصله عن الأوتوستراد فاصل إسمنتي طريقاً للسيارات ومواقف للمتسوقين حيث يمكن ذلك، مع إنشاء شبكة مياه وشبكة صرف صحي وإنارة وخدمات أخرى.
الـ«سيرفيس لاين»، بحسب الخليل، «معروف في كل دول العالم للفصل بين قاصدي المنطقة للتسوق وعابريها إلى أعمالهم أو منازلهم بما يحول دون حدوث ازدحام. هكذا، من يقصد المنطقة للتسوق يسلك هذا الخطّ، من دون أن تؤثر حركته في حركة السير على الأوتوستراد».
بدأت فكرة المشروع لتنظيم «خط الرحاب» في تموز 2016، وسلك مساره الإداري بعد موافقة المجلس البلدي في تشرين الثاني من العام نفسه على دراسة أنجزتها شركة «تيررا»، وصدّقت عليها اللجنة الهندسية في البلدية والمحافظ. وفازت شركة «معمار» بمناقصة التنفيذ ليبدأ العمل الصيف الماضي. لكن، فجأة، توقّف كل شيء بعدما منع أصحاب المحال والأهالي الآليات من العمل، ووصفوا المشروع بأنه «جدار فصل عنصري ضد الفقراء» و«قطع للأرزاق». الاعتراض ينطلق أساساً من رفض بناء الفاصل الإسمنتي بين «طريق الخدمات» والأوتوستراد السريع.
مصطفى المولى، صاحب محل صغير لبيع الحلويات، يعتاش وزوجته من محله الذي «اشتريته بالدَّين وعرق الجبين»، يؤكّد أن «الحائط سيضرّ بمصالحنا، ولو كان بارتفاع سنتيمتر واحد، لأنه سيفصل محلي عن الطريق العام. أي عابر بالمنطقة لن يكون قادراً على التوقف ولن يقصد خطّ الخدمات الذي سيكون مزدحماً بنحو دائم». يؤكّد المولى «أننا مع التحسين، على ألّا يضرّ بالناس. وإذا قرروا المضي في تنفيذ المشروع فسأحرق نفسي وزوجتي داخل محلي. هذا وعد»!
«أم حسن» شمص التي تملك محلاً لبيع الأثاث تفترش معروضاته الرصيف المقابل، ترى أن إنشاء «خطّ الخدمات» سوف «يحوّلنا إلى زاروبة منعزلة»، فيما ينطلق اعتراض فضل الله قاسم من مبدأ «حفظ الأعراض»: «إذا بنوا الحيط من وين بتصير بنتي تروح توقف تاكسي؟ بدها تروح عمفرق صبرا لتطلع بتاكسي؟! عمفرق صبرا في زعران مش أنبيا! نحن هنا على الأرض، ونحن أخبر بمصلحتنا»! ويلفت إلى خشية المعترضين من مشروع «لتهجيرنا»، متسائلاً: «نحن هنا منذ 45 سنة. لماذا استيقظوا الآن؟ وهل هذه مقدمة لإحياء مشروع أليسار؟».
حيدر بداح المفوض من أهالي المنطقة وأصحاب المحلات بالتفاوض مع البلدية، يؤكد أن الناس «ليسوا ضد المشروع، بل ضد الجدار لأنه يعزلهم عن الطريق العام». كل ما يريده الأهالي، بحسب بداح، «أن تحاورهم البلدية وتشرح لهم تفاصيل المشروع، خصوصاً أنهم، هنا، ليسوا متخرّجي كلية الهندسة. وعلى البلدية أن تأخذ الواقع في الاعتبار ولا تُسقط على الناس مشاريع مثالية قد تصلح في مناطق أخرى». يؤكد بداح أن العمل جارٍ على تقريب وجهات النظر، ولفت إلى أنه تمّ الاتفاق على جرف التعديات، بحيث تصبح المسافة بين المحلات ووسط الأوتوستراد 16 متراً.
ينفي رئيس بلدية الغبيري أن يكون وراء المشروع محاولة لإحياء مشروع «أليسار»، لأن هذا الأمر يحتاج إلى جهد الدولة وإمكاناتها. ويرى أن «هذا المخطط الأنسب، وليس الأمثل، لأنه يأخذ بالاعتبار الواقع المعقد ويحلّ 80% من مشاكل السير. البعض مرتاح للفوضى، لكننا أمام خيارين: أن تستمر بيئتنا في الفوضى أو تحسم أمرها في خيار الدولة والنظام». يؤكد أن «أحداً لا يريد الإضرار بالناس. هؤلاء أهلنا. نعرف أن أوضاعهم سيئة ونحاول تحسينها. الطريق المطروح هو لخدمتهم، لكن البعض، ويا للأسف، يحاول إقناعهم بأننا نعمل على عزلهم، رغم أن أحداً هناك لا يدفع أي ضرائب أو رسوم للبلدية التي تدفع 150 دولاراً عن كل طن نفايات في هذه المنطقة، فضلاً عن تنظيف المجاري والطرقات». ويلفت إلى أن قاصدي المنطقة وسوقها الشعبي للتسوق لن يثنيهم بطء السير في «طريق الخدمات»، «أولاً لأنهم يعرفون أن هذه منطقة مزدحمة في العادة. وثانياً، لأن معظم قاصدي المنطقة لا يقصدونها بسياراتهم. كل ما نفعله أننا نحاول تحييد الخط السريع عن الازدحام». وفي ما يتعلق بالفاصل الإسمنتي، يشير الخليل إلى أن هذا الأمر معمول به في كل الدول، وهو عادة بارتفاع متر وسبعة سنتيمترات، «وخفضه سيتيح للمشاة القفز من فوقه ويشكل خطراً، وعندها تكون الفكرة كلها قد نُسفت». رغم ذلك، يؤكد «أن المشكلة لا تكمن في الفاصل الإسمنتي، بل في أن البعض يريد عرقلة المشروع برمّته. مع ذلك، نتعاطى بمرونة في هذا الشأن، ونخضع لقرار المجلس البلدي بخفضه أو إلغائه، أو في أي قرار آخر».
«البداية»… مع أمين الجميّل
معظم المحلات على الطريق العام بين السفارة الكويتية وجسر المطار، والمحاذية لمخيم صبرا، «يملكها» لبنانيون. لكنها أُقيمت فوق أراض تعود ملكيتها لآل تابت وآل شمعون. بعد نكبة تهجير الفلسطينيين عام 1948، إستأجرت الدولة اللبنانية الأرض من أصحابها لإسكان «المهجّرين» الفلسطينيين «مؤقتاً» ريثما يعودون إلى بلادهم. طال انتظار العودة ليتشكّل ما بات يُعرف بمخيم صبرا الفلسطيني. مع الاجتياح الاسرائيلي عام 1982، تعرّض سكان صبرا ومخيم شاتيلا المجاور لمجزرة ذهب ضحيتها الآلاف، ومع خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، عقب الاجتياح، وسّعت الحكومة اللبنانية في عهد الرئيس أمين الجميل «نزلة الرحاب» التي كانت طريقاً فرعياً محاذياً للمخيم، لتتحول الى طريق رئيسي وواحد من مداخل الضاحية الجنوبية. منذذاك، بدأ وجود الفلسطينيين يخفّ ليحل محلهم لبنانيون حوّلوا المنازل التي حاذاها الطريق الى مؤسسات تجارية.