يكثُف الموفد الدولي لحل الأزمة السورية ستيفان دي ميستورا تحرّكه واتّصالاته في مختلف الاتجاهات من أجل تزخيم الأفكار التي طرحها للبدء بحل الأزمة.
أهم ما في أفكاره في اطار المبادرة، وقف إطلاق النار ومناطق مجمّدة، أي لا تتحرّك الجهات المسيطرة فيها إلى مناطق أخرى. ووفقاً لمصادر ديبلوماسية، فإنّ وقف النار يأتي قبل إطلاق أية عملية سياسية، على أن يبدأ في حلب، التي تتعرّض لأكبر عملية ضغط أمني وسياسي لا سيما وأنّ تنظيم «داعش» يعمل للتوجّه إليها. لكن لا تزال المعارضة السورية المعتدلة تمسك بحلب من ضمن المناطق القليلة التي تسيطر عليها. وسقوط حلب إن في يد النظام أو في يد «داعش» لن يكون جيداً. لذلك، تبدأ الخطة التي يطلقها دي ميستورا بحلب، والغرب كله مستنفَر من أجل حلب.
وفي اطار موضوع حلب، لا يزال هناك تخوّف دولي من سقوطها الوشيك. وسقوطها قد يعقّد تطبيق دي ميستورا خطته. وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أشار إلى ضرورة أن يتم التعامل مع حلب مثلما يتم التعامل مع كوباني. حلب آخر معقل للمعارضة السورية المعتدلة، فإذا سقطت بيد النظام، أو بيد «داعش» فلا يعود للمعارضة المعتدلة أي موقع ذات أهمية. دي ميستورا يقول بوقف نار عاجل أي أن يبقى كل طرف في موقعه. إلاّ أنّ مثل هذه الأفكار تواجَه باتجاهات متعدّدة لدى المعارضة المعتدلة. مثلاً المعارضة المدعومة من تركيا تريد منطقة عازلة شمال سوريا تصل إلى حلب، ما يؤدي إلى تداخل مع موضوع وقف النار.
تقول المصادر إنّ دي ميستورا يرى أنّ النظام كان إيجابياً من خلال المباحثات معه. لكن من المهم الأداء على الأرض والتعامل إيجاباً بصورة فعلية. دي ميستورا يرى أنّ مؤتمرَي «جنيف1» و»جنيف2» انطلقا والمعارك على الأرض قائمة، لذا يرى ضرورة إنطلاق التفاوض بعد ثبات وقف النار. والمهم أيضاً إلى أي مدى سيتجاوب الأطراف السوريون؟ أهمية حلب هي في أنّه تمثّل معقلاً أساسياً للمعارضة المعتدلة والتي تسيطر أيضاً على مناطق في دمشق ودرعا وغيرها، ويبدأ وقف النار فيها ويسري على بقية مدن المعارضة المعتدلة.
وفي الوقت نفسه يعتقد دي ميستورا أنّه يفترض أن تبدأ «داعش» بالتراجع تحت وقع الضربات الجوّية من التحالف وهزيمتها من الأرض. لذا، فهو يعمل مراهناً على أن يتحقّق ذلك، وسط اهتمام جدّي منه، بمصير المناطق التي ستهزم «داعش» فيها ومَن سيحلّ محلها. وذلك كله يفترض أن تبدأ المفاوضات السورية السورية لإيجاد الحل السياسي بالتزامن مع هذا التراجع. السؤال الكبير مَن سيحل محل «داعش» لدى تراجعها؟ ثم ما هو مدى الضغط الدولي والاقليمي على الرئيس السوري بشّار الأسد لكي يبدي جدّية في التفاوض المرتقب من أجل تطبيق خطة «جنيف1»، وهل سيعمد إلى عدم تقديم أي تسهيلات لانعقاد المؤتمر، وفي التفاوض لاحقاً؟ مع الإشارة إلى أنّ كل الاحتمالات واردة في إمكان تطبيق «جنيف2»، وعدم تطبيقه، هناك أيضاً «داعش» على الأرض، لكن في المقابل هناك التحالف الدولي.
«داعش» خارج التفاوض مع دي ميستورا على الرغم من اتساع رقعة تواجدها ما بعد «جنيف2». فقط انه يتحرّك بين النظام والمعارضة المعتدلة لا سيما الائتلاف الوطني السوري. كما أنّه يتحرّك بين الدول الكبرى المهتمّة بالوضع السوري، والدول الاقليمية. وليس على أجندته الحديث مع أية جهة أو أشخاص يدعمون «داعش». إنّ أية جهة لا تفاوض «داعش» إلاّ إذا تراجعت، أو حصلت مستجدّات شبيهة بموضوع الخطف وصار هناك ضرورة للتفاوض معه. كما أنّ أية دولة لا تقول إنّها تدعم هذا التنظيم. تركيز دي ميستورا هو على وقف نار في حلب ثم في درعا ليمتد إلى مناطق المعارضة المعتدلة إذا تقدّم ونجح.
التوجّه الدولي، والذي لا يغيب عنه تحرّك دي ميستورا، هو أنّ السعي إلى انعقاد طاولة التفاوض السوري السوري، أي بين المعارضة المعتدلة والنظام، لإيجاد حل سياسي. وإذا توافر الحل، عندها تقوم سلطة في سوريا، تعمل هي على محاربة «داعش» وهزيمتها. بحيث تكون كل القوى السورية في السلطة موجّهة في هدفها ضدّ «داعش»، كذلك هناك قرار دولي يعتبر «داعش» منظمة إرهابية ويعمل لمنع تمويلها وتمدّدها، الأمر الذي يحتّم على أي موفد دولي عدم التعامل معها. المهمة الأساسية لدي ميستورا هي الحل السياسي في سوريا، من هنا يتعاطى مع مسألة «داعش» بشكل غير مباشر.
إذاً، التوجّه الأممي ينصبّ على محاربة «داعش» بالتزامن مع العمل لإرساء الحل في سوريا. وهذا أيضاً يترافق مع السعي إلى حل مشكلة «داعش» في العراق. إرسال الأميركيين لمئات المستشارين إلى مناطق سنّية مثل الأنبار يعني أنّ احتواء الأسباب التي أدّت إلى وجود «داعش» أساسي، لا سيما وأنّ هذا التنظيم تبنّى مطالب السنّة في كل من العراق وسوريا. وهذا البُعد يجد مسعى للحل، وكان بدأ عبر تغيير رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي. وهناك الآن حوار أميركي مع القبائل السنّية في العراق، وفي محيط العراق، الحوار مع القاعدة السنّية الشعبية يشكل جزءاً من محاربة «داعش». وإذا لم يعد لـ»داعش» قاعدة شعبية تصبح هزيمته أسهل. كما أنّ الولايات المتحدة تقوم بوضع أسماء أشخاص ومؤسسات على لائحة الإرهاب إذا لم تتجاوب مع المجتمع الدولي في تطبيق القرار الدولي ذات الصلة بالتنظيم، وتوقف تمويلها له.