Site icon IMLebanon

سقوط إيران في الامتحان السعودي

اذا كانت ايران تريد امتحان المملكة العربية السعودية، فهي سقطت في الإمتحان. سقوطها عائد الى انّه فاتها انّها تتعاطى مع ذهنية جديدة في المملكة كانت «عاصفة الحزم» افضل تعبير عنها. مثلما كانت هناك «عاصفة الحزم»، كان قرار حازم للسعودية بقطع العلاقات الديبلوماسية مع ايران، تلاه قرار لمملكة البحرين في الإتجاه نفسه. 

فات ايران انّ هناك مواطنا سعوديا، وليس ايرانيا، اسمه نمر باقر النمر اعدم في ظلّ القوانين المعمول بها في المملكة. اعدم مع ستة واربعين آخرين، معظمهم من السعوديين المدانين في قضايا ارهابية مرتبطة بتنظيمي «القاعدة» و»داعش». هؤلاء كانوا من السنّة باستثناء اربعة منهم.

قامت القيامة ولم تقعد على المملكة العربية السعودية بسبب النمر وذلك من منطلق انّه شيعي، وذلك في سياق الإستثمار في اثارة الغرائز المذهبية الذي هو في صلب السياسة الإيرانية ومشروعها التوسّعي على حساب كلّ ما هو عربي في المنطقة.

لم يقتصر الأمر على الكلام الصادر عن «المرشد» علي خامنئي الذي توعّد القيادة السعودية بـ»انتقام الهي»، بل احرق متظاهرون ايرانيون السفارة السعودية في طهران وقنصلية المملكة في مشهد. عندما يتعلّق الأمر بان تكون ايران مسؤولة عن كلّ شيعي في العالم، لا يعود هناك احترام للأعراف الديبلوماسية او لسيادة الدول.

ترافقت الحملة الإيرانية على السعودية مع انتقادات عراقية للمملكة صدرت عن رسميين مثل رئيس الوزراء حيدر العبادي ورجال دين من بينهم المرجع الشيعي الاعلى علي السيستاني المقيم في النجف، الذي احتفظ في الماضي بهامش يفصل بينه وبين السياسة الرسمية لإيران، ورجل الدين مقتدى الصدر. تأكّد مرّة اخرى انّ العراق صار تحت السيطرة الإيرانية لا اكثر.

كما كان متوقّعا، خرج السيّد حسن نصرالله الأمين العام لـ»حزب الله» في لبنان عن الحدّ الأدنى من الإحترام المفترض تجاه الدول الأخرى، خصوصا الدول العربية، التي تربطها علاقات اكثر من ودّية بالبلد. قال في آل سعود وفي المسؤولين السعوديين كلاما اقلّ ما يمكن ان يوصف به انّه من النوع المبتذل والبذيء الذي لا يأخذ في الإعتبار العلاقات التاريخية بين بلدين عربيين ارتبطا منذ قيامهما بعلاقات خاصة انعكست خيرا على لبنان واللبنانيين.

ما لم يقله المسؤولون الإيرانيون، قاله نصرالله الذي جعل من «حزب الله» رأس حربة للسياسة الإيرانية في المنطقة. 

لم يأبه حسن نصرالله لمصالح لبنان واللبنانيين. لم يتوقّف لحظة ليسأل نفسه ما دخل لبنان في قضيّة داخلية سعودية. لم يسأل كم عدد اللبنانيين الذين يعملون في السعودية، وهؤلاء من كلّ الطوائف والمذاهب والمناطق. لم يسأل كم عدد العائلات التي تصلها مداخيل من السعودية ودول الخليج العربي شهريا؟ 

مثل هذا النوع من الأسئلة ممنوع على نصرالله طرحه، ما دام الهدف نشر البؤس في لبنان من جهة وعزله عن محيطه العربي من جهة اخرى. يكشف خطاب الأمين العام لـ»حزب الله» انه مطلوب ربط لبنان بايران بعيدا عن الواقع المتمثّل بان اللبنانيين، باكثريتهم الساحقة، يرفضون هذا التوجّه ويعتبرون ان التخلّص من الوصاية السورية لا يعني بالضرورة الوقوع تحت الوصاية الإيرانية وبالتالي تحت وصاية «حزب الله». ولكن ما العمل مع ميليشيا مذهبية، تابعة لإيران، تفرض نفسها على اللبنانيين بقوة سلاحها غير الشرعي متذرّعة بـ»المقاومة» و»الممانعة»؟ 

وصل الأمر بهذه الميليشيا المذهبية التي تمنع انتخاب رئيس للجمهورية الى المشاركة المباشرة منذ سنوات عدّة في الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري، وهي حرب ابادة بكلّ معنى الكلمة ذات خلفية مذهبية ولا شيء آخر غير ذلك. كذلك وصل الأمر بنصرالله الى التحرّش بنيجيريا، حيث جالية لبنانية كبيرة، دفاعا عن مجموعة شيعية نشأت حديثا في هذا البلد بمبادرة من الحزب ومن ايران.

سبق لـ»حزب الله» ان تجاهل وجود حدود دولية للبنان. تدخّل بناء على طلب ايراني في الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري. جلب الويلات على لبنان بعدما وضع الرابط المذهبي فوق كلّ ما عداه، اي فوق السيادة اللبنانية.

من الواضح انّ ايران اعتقدت انّ تجربة «حزب الله» في سوريا يمكن ان تتكرر في مكان آخر وان الرابط المذهبي الذي يجعل منها مرجعية لكلّ شيعي في العالم صار هو القاعدة. 

نسيت ان هناك من هو على استعداد للتصدي لهذه الظاهرة المرضية التي يعتبرها الشيعة العرب، في معظمهم، اساءة لهم ولتاريخهم الوطني. نسيت ايران ايضا انّ قسما لا بأس به من الشيعة اللبنانيين الأحرار يرفضون ان يكونوا مجرّد جنود لدى ايران ولدى «الوليّ الفقيه»، كما حال حسن نصرالله.

بقطعها العلاقات الديبلوماسية مع طهران، رسمت الرياض حدودا جديدة للعلاقة بين البلدين. هذه الحدود هي القانون الدولي بديلا من القانون الذي وضعته ايران والقائم على الإستقواء على دول المنطقة عبر اثارة الغرائز المذهبية. 

لم تفهم ايران ماذا تعني «عاصفة الحزم»، او ربّما فهمتها جيدا؟ لعلّها ستبدأ، بعد الرد السعودي، في استيعاب ان هناك قيادة جديدة في المملكة، على رأسها الملك سلمان بن عبد العزيز. تمتلك هذه القيادة ما يكفي من الجرأة وروح المبادرة لتأكيد الدور الإقليمي للمملكة بعيدا عن اي نوع من المزايدات والشعارات البراقة والشتائم التي لم تعد تخيف احدا… حتّى لو ترافقت مع كل انواع التهويل والترهيب والإرهاب الذي ذاق اللبنانيون طعمه قبل غيرهم.