Site icon IMLebanon

ما بعد الأسد: المشرقُ العربي في مفترق طرقٍ خطر! 

 

 

مع سقوط حكم الرئيس بشار الأسد في سوريا والتحول الدراماتيكي الذي لا يمكن إنكاره، يصبح من الضروري الابتعاد عن الانفعالات والعواطف، سواء أكانت اعتراضًا أم ترحيبًا، غضبًا أم شماتةً، للنظر بتمعن في الواقع الجديد. إن قراءة هادئة للمعطيات قد تمنحنا رؤية أعمق لما يحمله المستقبل لسوريا والمشرق العربي بأكمله، لا سيما مع التداعيات التي ستطال لبنان والمنطقة بشكل عام.

 

لا شك أن أسرار السقوط السريع لجبهات الجيش السوري وانسحابه من مدن رئيسية دون قتال سوف تتكشف مع الوقت، وهي بدأت بالفعل مع ظهور مواقف الأطراف المؤثرة، وأولهم أميركا وروسيا وتركيا بالإضافة إلى إيران. وبالعودة إلى مستقبل سوريا القريب، وفي حال غياب عملية انتقالية واضحة (لم تتضمنها الصفقة الروسية الأميركية التي يُحكى عنها في الكواليس الديبلوماسية؟) في سوريا، فإن ذلك يعني احتمال دخول البلاد في دوامة طويلة من الصراعات. ستكون حرب الجميع ضد الجميع، حيث لن تقتصر المواجهات على الأطراف المتحاربة وما تبقى منها، بل قد تمتد لتشمل الإسلاميين أنفسهم الذين قد ينقسمون ويتصارعون على النفوذ. هذا السيناريو سيكون كارثيًا لسوريا ويهدد بإبادة ما تبقى من المجتمع السوري ومكوناته، بالإضافة إلى الإرث الثقافي والتاريخي. كما أن في قلب هذا المشهد، تتشابك المصالح الدولية والإقليمية، حيث تمثل سوريا ساحة تنافس مفتوح بين قوى عالمية وإقليمية كبرى. الولايات المتحدة وروسيا وإيران وتركيا وإسرائيل، بالإضافة إلى دول عربية فاعلة، لديها مصالح لن تتنازل عنها بسهولة. ما يعني أن التنافس بين هذه الأطراف قد يؤدي إلى تشكيل تكتلات متصارعة على الأرض السورية، ما يدفعنا الى التساؤل حول من سيحقق الهيمنة؟ هل ستتمكن الدول الراعية لمسار أستانة من فرض استقرار نسبي؟ أم أن تعارض المصالح سيعزز الانقسام ويمدد حالة الفوضى؟

 

هذه التحولات ستلقي بظلالها على المشرق العربي بأكمله، حيث تشكل عودة الإسلام السياسي (الذي يمثله الجولاني) إلى الواجهة في المشهد السوري مخاوف كبيرة، خصوصًا لدى دول كالأردن ومصر ودول عربية أخرى. هذه الدول تنظر بقلق إلى أي عودة محتملة للأيديولوجيات الإسلامية المؤثرة، لما قد تحمله من تداعيات على استقرارها الداخلي، ما يدل على أن المرحلة المقبلة ستكون حافلة بالمخاطر بالنسبة للأنظمة التي تخشى من انتقال عدوى عدم الاستقرار إليها. كذلك تبرز تساؤلات حول كيفية إدارة الإسلاميين والمعارضين لسوريا ما بعد الأسد. هل سيستطيعون تجاوز الخلافات بينهم لتشكيل حكومة قادرة على الحفاظ على وحدة البلاد؟ أم أن المشهد الجديد سيعيد إنتاج الانقسامات التي شهدناها خلال السنوات الماضية؟ التحدي الأكبر يتمثل في تقديم نموذج حكم يضمن تحقيق تطلعات الشعب السوري الذي عانى طويلًا من الحرب، مع تجنب الدخول في مسارات تعيد إنتاج الأزمات.

 

أما لبنان، فهو أمام مرحلة دقيقة تتطلب تعاملاً حذرًا وبعقلٍ بارد، إذ إن العلاقة الوثيقة بين الملف اللبناني والملف السوري تفرض مقاربة عقلانية بعيدة عن الهبات العاطفية التي قد تزيد من حدة التوتر، إذ ينبغي على القوى السياسية اللبنانية العمل بجدية لمنع أي استفزازات قد تؤدي إلى زعزعة الأمن الداخلي أو محاولة ترجمة سقوط الأسد سياسيًا في الاستحقاقات اللبنانية والتوازن السياسي القائم.

 

الأيام الآتية كفيلة بتوضيح الصورة… فلننتظر ونرَ!