الصورة، كما رآها الخبير الاستراتيجي الأميركي البارز أنطوني كوردسمان، مقلقة: تحديات العنف الاسلامي المتطرف ستتعاظم، والولايات المتحدة وحليفاتها تفتقر الى خيارات استراتيجية واضحة. والواقع المرئي بالعين المجردة مخيف: الرمادي عاصمة الانبار تسقط في يد داعش وسط أحاديث الاستعداد لاستعادة الموصل من التنظيم الارهابي. ففي الشهور الماضية كان النقاش بين واشنطن وبغداد يدور حول الموسم الأنسب لتحرير الموصل: الربيع أم الصيف هذا العام؟ وفي عز النقاش دفعت طهران بغداد الى استعجال تحرير تكريت عبر خطة جرى تسليط الأضواء في ادارتها على الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري. لكن تنفيذ الخطة على أيدي خليط من الجيش والحشد الشعبي وبعض أبناء العشائر لم يكتمل من دون الحاجة الى قصف الطائرات الأميركية. اليوم تنشغل واشنطن وبغداد وطهران بترتيب خطة سريعة لاستعادة الرمادي.
واللعبة معقدة. ففي حزيران الماضي انهارت أربع فرق من الجيش تاركة أسلحتها لمسلحي داعش يحتلون الموصل ومعظم محافطتي نينوى وصلاح الدين. وفي أيار الحالي هرب الجيش من الرمادي من أمام داعش الذي أكمل سيطرته على عاصمة الانبار بعد معظم المدن فيها. ولم يعد هناك مجال لخوض المعارك ضد داعش من دون رديف للجيش وربما بديل منه. وهو بالطبع الحشد الشعبي الذي يتألف من ميليشيات شيعية، والحشد الوطني الذي يضم أبناء العشائر السنية. وتلك هي المشكلة والحل. فالحشد الشعبي ضروري لإمكان الربح في أية معركة مع داعش. وهو مخيف للسنّة من أهالي المحافظات، لأن فيه عناصر تتولى عمليات قتل وحرق منازل وسرقة ممتلكات بعد هزيمة داعش.
لكن جوهر المشكلة هو في السياسة التي قضت بحل الجيش واسقاط الدولة بدل اسقاط النظام في الغزو الأميركي، ثم ببناء جيش يغلب عليه الطابع المذهبي والولاء الشخصي أيام رئاسة نوري المالكي للحكومة التي جاءت بمباركة أميركية – ايرانية وعملت على تهميش السنّة والتضييق على الأكراد والاصطدام بقوى شيعية بارزة. وما حدث هو مجرد اخراج المالكي من رئاسة الحكومة والمجيء بالدكتور حيدر العبادي، وهو من حزب الدعوة نفسه، من دون الخروج عملياً من سياسة المالكي.
ولا مستقبل للعراق من دون المشاركة الفعلية في السلطة عبر تعميق العملية السياسية وبناء جيش وطني بالفعل. فلا الحشد الشعبي بديل، ولا تسليح ابناء العشائر السنية على طريقة الصحوات رديف. ولا داعش سوى تنطيم مذهبي يقود استيلاؤه على أية أرض الى خوف كل المواطنين غير السنّة وكل السنّة الذين لا يبايعونه. ولا أي نصر يحققه الحشد الشعبي أو الحشد الوطني سوى نصر يأخذ الطابع المذهبي ويخيف البقية.