منذ اعلان دولة لبنان الكبير في العام ١٩٢٠، وبعدها استقلال لبنان النهائي في العام ١٩٤٣، لم يهضم الحكام السوريون الذين تعاقبوا على السلطة، قيام هذه الدولة المستقلة على حدودهم، لأنهم اعتبروا ان جزءا كبيرا من اراضيها، سلخ من اراضي الوطن السوري، بواسطة الانتداب الفرنسي، الامر الذي تسبب باشكاليات كيانية بين الدولتين، وعلاقات متوترة باستمرار، ورفض سوري لتبادل السفراء بين البلدين، وإقامة سفارة لكل منهما في البلد الآخر.
لم يشّذ الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد عن هذه القاعدة، لدى تسلُّمه زمام السلطة في بداية سبعينات القرن الماضي، وبعد دخول الجيش السوري الى لبنان في العام ١٩٧٦، بذريعة وقف الحرب الاهلية المشؤومة، وجد ضالته لتكريس هيمنة سوريا، وأصرَّ على التعاطي مع لبنان كمساحة من الأرض، مفتوحة على الاراضي السورية، ومعاملة اللبنانيين، كمجموعة من جماعات الشعب السوري وملحقة به، لا خصوصية ولا استقلالية لها، قاصرة ولا تستطيع حكم نفسها وادارة شؤون بلدها بنفسها، ويجب ان تدار من داخل سوريا، وتتبع لسياساتها، وتتماهى مع اساليب ادارتها ونمط حكمها، وحياتها.
وهكذا كان يدار لبنان من سوريا، بواسطة ضباط مخابرات منذ ذلك الحين، وطوال ثلاثة عقود، تم الاستعاضة عن اقامة العلاقات الديبلوماسية، بالتوقيع على معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق المشترك بين لبنان وسوريا، لإضفاء شرعية على الوجود العسكري السوري في لبنان، وانشاء المجلس الاعلى اللبناني السوري، في حين كان اي حديث او مطالبة باقامة علاقات ديبلوماسية طبيعية بين البلدين، يواجه بالرفض القاطع واتهامات بالاساءة للعلاقات التاريخية بين البلدين الشقيقين، وتصل الامور في كثير من الاحيان إلى حد الاتهام بالخيانة .
وهكذا استمر تسيير الامور من دون إقامة اي علاقة ديبلوماسية بين البلدين،لحين اتهام النظام السوري بارتكاب جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، واضطرار قوات الجيش السوري للانسحاب قسراً من الاراضي اللبنانية في العام ٢٠٠٥، ونتيجة الضغوط التي مورست على النظام السوري عربيا ودوليا، تم اصدار مرسوم باقامة العلاقات الديبلوماسية بين البلدين وتعيين سفير لكل منهما في البلد الآخر في العام ٢٠٠٩.
ولكن بالرغم من ذلك، بقي قرار تبادل العلاقات الديبلوماسية شكليا وصورياً، وتم حصر التعاطي بين السفارتين بأمور ومسائل ثانوية،ولم يتم الارتقاء بالعلاقات بين البلدين إلى مستوى العلاقات الديبلوماسية الطبيعية، مثل الدول الاخرى، بينما استمر التعاطي بالامور المهمة الاخرى،عبر ضباط المخابرات وحتى الامس القريب، والاهم تم تعليق البت بمسائل وقضايا بالغة الاهمية، مثل ترسيم الحدود البحرية المشتركة، والحدود البرية، والاستمرار بمنع اعطاء الوثائق المطلوبة التي تؤكد ملكية لبنان لمزارع شبعا، بالرغم من مطالبة لبنان بذلك اليوم بعد سقوط نظام الاسد وحزب البعث في سوريا، يطرح السؤال التقليدي، هل يخرج نظام الحكم الجديد الذي ينبثق عن المنتفضين والثائرين على النظام البائد، عن اسلافهم السابقين، بانهاء كل اشكاليات التشكيك بلبنان كدولة مستقلة، وكيان قائم بحد ذاته والتعاطي معه من دولة إلى دولة، ام يتم الاستمرار بالدوران بحلقة انكار وتجاهل وجود لبنان الدولة المستقلة؟