IMLebanon

سقوط الديكتاتور الدموي

عمر البشير أطاحه انقلاب، لم يتبيّـن بعد الساعة الخيط الأبيض من الخيط الأسود لهذا الانقلاب، أطاحه انقلاب على انقلابه الطويل منذ ثلاثين عاماً، أطاحه انقلاب بعد سنوات عشر على إطلاقه تصريحه الشهير ردّاً على إصدار المحكمة الجنائية الدولية قرارها الاتهامي بحقّه بتهمة ارتكاب “جرائم ضد الإنسانية” في دارفور “يبلّوا القرار ويشربوا ميتو”، أطاحه انقلاب وانقلب المشهد من جديد في العالم العربي.

 

ابتهاج وفرحة الشعب السوداني بسقوط الديكتاتور الدموي عمر البشير، حرّكت مخاوف الكثير من الشعوب العربيّة التي عاشت نفس المشهد وانقلبت فرحتها خراباً ودماراً وحروباً ودماء، لا ضمانة للشعب السوداني، أغلب الظنّ أنّ “البرايك” الذي كانت تعيشه المنطقة انتهى، وأنّ استكمال تعميم تجارب ليبيا وسوريا واليمن مستمرّ، وأخوف ما نخاف أن تكون تمّت محاصرة مصر بأوضاع مضطربة من حدودها الليبيّة وحدودها السودانيّة، وأخوف ما نخاف أن تكون فرحة الشعب الجزائري بداية تمدّد واضطراب المغرب العربي!

 

واحد من أسوأ الحقائق التي تعيشها المنطقة أن تجربة إعادة تقسيمها وتوزيعها جارية على قدم وساق منذ خدعة الثورة العربية الكبرى في وجه الخلافة العثمانيّة، ووعود وتقسيمات مرحلة الحرب العالمية الأولى، وخرائط الدول التي نتجت عن الحرب العالمية الثانية، تعيش المنطقة حرباً عالمية ثالثة منذ أربعة عقود وتُقسّم وتُهدّم وتُشرذم، ويعاد تدمير دولها لأنّها حُكمت بـ”المُلْك الجبري” من انقلاب إلى آخر، حكم الرئيس والحزب الواحد، لا أحد يريد أن يعترف أن أكبر أزمات ثورات ما سمّي بالربيع العربي هي في عدم وجود بديل قيادي يقود الشعب إلى برّ أمان الاستقرار الاقتصادي والأمني، فهل ستتكرر التجربة في السودان؟

 

عندما اندلعت التظاهرات ضد عمر البشير سارع حكّام العالم العربي لاستقبال البشير وتأييد استمراره في حكمه، يكره هؤلاء رؤية حاكم يقتلع بنظامه عن كرسي الحكم، في أيام قليلة شاهدوا حاكمين تسقطهما التظاهرات عبد العزيز بو تفليقة الجزائري وعمر البشير السوداني، صحيح أن بشّار الأسد لا يزال جالساً على تلال من جماجم الشعب السوري، لكنّه لم يعد رئيساً، بوتين والخامنئي عندما استقبلاه منعا وضع علم سوريا خلفه باعتباره رئيسها، بعد البشير وبو تفليقة، هل يكون الحبل على الجرّار؟!

 

ظلّ عمر البشير يرقص بالعصا رقصة الصلح ويلبس تنورة الريش ويحشد القبائل السودانية ظنّاً منه أنّه قادر على الاستمرار في التجرؤ على الشعب السوداني لأنه يجد حكامّاً مستعدّة لحمايته فهم شركاء في جرائمهم ضد الإنسانيّة بحقّ الشعوب، قد تكون المشكلة الحقيقية التي نعانيها كعالم عربي “متخلف” يطمح إلى الظهور بمظهر “الحضاري”، أنه يُعاني انفصاماً مروّعاً في التعاطي مع المجرمين الذين يتحكّمون بمصيره، فتجده يذهب حتى النهاية في المطالبة بمحاكمة الرئيس الصربي بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، ولا يريد أن تتمّ محاكمة عمر البشير لجرائمه ضد الإنسانيّة، فيما رأيناه يلتزم الصمت المذلّ تجاه محاكمة الرئيس العراقي صدام حسين وإعدامه.. ثلاثة مواقف من ثلاث قضايا كلّ واحد منها يشير إلى حال “انفصام الشخصيّة العربية الحادّ” التي يعانيها العالم العربي وشعوبه!

 

غَيْبُ الغد السوداني والجزائري في علم الله، حمى الله الشعوب العربية وكفاها شرّ الدماء والحروب والإخوان المسلمين.