يواصل الإرهاب مخطّطاته وعملياته التفجيرية إن في لبنان، وتحديداً في الضاحية الجنوبية من بيروت، أو في الدول الأوروبية لا سيما في فرنسا من خلال الاعتداءات السبعة المتزامنة التي نفّذها في باريس ليل الجمعة 13 تشرين الثاني الجاري، والتي وُصفت بأحداث 11 أيلول الباريسية. كما سبق أن أسقط الطائرة الروسية، وكلّ ذلك تحت ذريعة الإنتقام من «الكفّار”، على ما يُطلقون على كلّ الطوائف التي لا تؤيّد تطرّفهم الإسلامي الديني. ذلك رغم الضربات الجويّة التي شنّها على مواقعه في سوريا والعراق طوال سنة ونصف السنة، فضلاً عن الضربات العسكرية الأخيرة التي تنفّذها روسيا على مواقعه في سوريا منذ أواخر ايلول الماضي. فما حقيقة ما يحصل وما الذي يجعل التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها «داعش” أقوى بكثير من ذي قبل، على ما يبدو؟!
أسباب عدة تكمن وراء الإعتداءات الأخيرة التي نفّذها «داعش» في كلّ من مصر، ولبنان وفرنسا، تقول أوساط ديبلوماسية مواكبة، أوّلها الوضع السيء الذي وصل اليه عناصره في سوريا، لا سيما بعد الضربات الجوية الأخيرة لروسيا على مواقعه هناك، وتحقيق إصابات بالغة في صفوفهم. كما تمكّن الجيش السوري من استعادة بلدات عدّة كان يسيطر عليها. فكان لا بدّ من ردّة فعل خارجية تخفّف من وطأة ما يعانيه في الداخل السوري ويُشيح الأنظار عن خسارته. فروسيا اليوم، على سبيل المثال، تتلهّى بحادثة الطائرة الروسية التي سقطت في سيناء، ولبنان بتفجيري برج البراجنة، علماً أنّ الأجهزة الأمنية تمكّنت من إلقاء القبض على الشبكة الإرهابية بسرعة قياسية، وفرنسا بالاعتداءات التي أصابت العاصمة باريس في أكثر من مكان.
غير أنّ هذه الاعتداءات المتنقّلة في المنطقة وأوروبا، إن دلّت على شيء، على ما عقّبت الأوساط نفسها، فعلى توسّع دائرة الإرهاب، مع الهجرة غير الشرعية التي شرّع الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان أبوابها نحو الدول الأوروبية التي رفضت طلب انضمامه للإتحاد الأوروبي خوفاً من أن يتحوّل هذا الأخير الى اتحاد للإسلام السنّة نظراً لعددهم الكبير في بلاده. فأدخل السنّة الى أوروبا من باب آخر، من البحر والحدود الأوروبية المفتوحة من دون أن تكون دول الإتحاد قادرة على ضبط آلاف المهاجرين، ومعرفة المسالم منهم من الإرهابي والداعشي. ويحاول أردوغان أن يُفاوض الدول الأوروبية لإغداق المزيد من الأموال عليه من أجل استضافة مليوني نازح سوري وتخليص الإتحاد الأوروبي من آفة لجوئهم اليه بشكل عشوائي.
كذلك فإنّ الاعتداءات التي طالت منطقة برج البراجنة، والتي رأى فيها البعض أنّها ردّة فعل على تدخّل «حزب الله” في سوريا الى جانب قوّات النظام، فقد تأكّد لا سيما بعد اعتداءات باريس، أنّ هذه التهمة قد سقطت نهائياً. فإذا كانت روسيا و«حزب الله» قد تدخّلا في سوريا، وأنّ الاعتداءات على الجانبين تأتي كردّة فعل على ممارساتهما، فإنّ فرنسا لم تتدخّل فيها لكي تُضرب مرتين: الأولى في صحيفة «شارلي إيبدو» والثانية في «استاد دو فرانس» و«مسرح باتاكلان» وسواهما من الأماكن التي طالها إطلاق النار والتفجيرات في شرق العاصمة الباريسية.
من هنا، تؤكّد الأوساط ذاتها، أنّ دائرة الإرهاب تتوسّع، وقد تطال دولاً أوروبية أخرى في المرحلة المقبلة لأنّ تهديدات الإرهابيين تتواصل وتشمل الجميع من دون استثناء، لا سيما بعد دخول مئات آلاف المهاجرين غير الشرعيين الى بعض هذه الدول، من دون أن تُعطى فرصة التدقيق في هويات هؤلاء، لكي تعرف من هم الذين تستقبلهم. كذلك فإنّ بقاء روسيا وحيدة في سعيها الجدّي لمحاربة الإرهاب في سوريا، رغم نداءاتها المتكرّرة بضرورة وقوف دول أخرى الى جانبها في تدخّلها العسكري في سوريا، قد شجّع، بحسب رأيها، الإرهابيين على المضي قُدماً في تنفيذ مخططاتهم من دون أي خوف أو تراجع، بهدف بثّ الرعب في نفوس العالم أجمع.