عندما رفع العماد ميشال عون شعارات «الحقوق المسيحيّة المسلوبة» و«صلاحيّات رئيس الجمهوريّة المُصادرة» لم يكن يُدرك أنّ خُصومه سيستخدمونها ضُدّه بعد بضعة أشهر! فالتصويت بالإجماع على طاولة مجلس الوزراء، بحجّة أنّ سلطات رئيس الجمهورية تنتقل حُكماً إلى مجلس الوزراء مُجتمعاً، أي إلى كل الوزراء معاً بمجرّد غياب الرئيس – بحسب التفسير «العَوني»، صارت اليوم محلّ استغلال كامل من جانب خُصوم «الجنرال» الكُثر، بحيث أنّه وُضع أمام خيارين أحلاهما مُرّ: إمّا خسارة فرصة بقاء قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز في السلك العسكري، وإمّا خسارة حق النقض الذي كان قد رفعه في خلال الأشهر الماضية، وشلّ عبره عمل مجلس الوزراء!
وفي هذا السياق، أشارت مصادر سياسيّة قريبة من قوى «14 آذار» إلى أنّ العماد عون في حال وافق على مُطلق أيّ تسوية بشأن عدم إحالة العميد روكز إلى التقاعد بعد منتصف الشهر الحالي، فإنّه سيصطدم بالفخّ الذي نصبه له خُصومه الكثر، والذي يتمثّل في قيام مجموعة من الوزراء، بغض النظر عن عددهم برفض هذه التسوية، ما يضع «الجنرال» في موقع صعب جداً. وأوضحت أنّه في حال خضع العماد عون لهذا الواقع، أي لجهة عدم مرور التسوية بالإجماع على طاولة مجلس الوزراء، فهذا يعني تلقائياً سقوط فرصة بقاء العميد روكز في السلك العسكري، وبالتالي سقوط حلم وصوله إلى منصب قيادة الجيش مُستقبلاً، وهو الحلم الذي كان يُدغدغ خصوصاً مُناصري «التيّار الوطني الحُر». وتابعت المصادر نفسها أنّه في حال أصرّ مُمثلا «التيار» على طاولة مجلس الحوار على تمرير التسوية ولو من دون إجماع كل الوزراء عليها أو عبر صيغة تصويت الأغلبيّة، فهذا يعني تلقائياً سقوط كل مُطالبات العماد عون السابقة بضرورة احترام صلاحيات رئيس الجمهورية التي تنتقل تلقائياً في حال غيابه إلى مجلس الوزراء مُجتمعاً. وأضافت أنّ خصوم العماد عون ينتظرونه لارتكاب هكذا هفوة دستوريّة، ليتم اتخاذها كقاعدة تُطبّق في مختلف جلسات مجلس الوزراء من الآن فصاعداً، بحيث سيتم القول إنّه كما جرى تمرير «تسوية روكز» بالأكثريّة وعلى الرغم من معارضة العديد من الوزراء، فإنّ القاعدة نفسها يجب أن تُطبّق على مختلف القرارات الحكومية المُستقبليّة.
ولفتت المصادر السياسيّة القريبة من قوى «14 آذار» إلى أنّ خوف العماد عون من السقوط في الفخ الذي نصبه بنفسه لخصومه، هو الذي دفعه إلى تصعيد موقفه أخيراً، وإلى تفضيل خسارة فرصة بقاء العميد روكز في الجيش اللبناني كأهون الشرّين، خاصة أنّه يعلم علم اليقين أنّ عدم إحالة قائد فوج المغاوير إلى التقاعد لا يعني إطلاقاً وصوله إلى منصب قيادة الجيش لاحقاً، إنما مُجرّد تسوية مرحليّة لكسب الوقت قد تنتهي بفشل ذريع في المُستقبل، خاصة في حال تمرير تسوية تُرفّع العميد روكز إلى رتبة لواء من دون أن تمنحه أيّ سلطات تنفيذيّة مهمّة في الجيش! وأضافت المصادر نفسها أنّه من هذا المُنطلق أعاد العماد عون حساباته جيّداً، وفضّل أن لا يخسر مصداقيّته إزاء الشعارات التي رفعها عالياً، لأنّ أيّ خطوة في هذا الاتجاه ستكون ضربة سياسيّة ومعنوية قاسية له، تفوق بأضرارها سُقوط فرصة وصول العميد روكز إلى منصب قيادة الجيش.
وشدّدت المصادر السياسيّة القريبة من قوى «14 آذار» على أنّ فرصة إسقاط أيّ تسوية بشأن التعيينات الأمنيّة داخل مجلس الوزراء عالية جداً، بسبب مُعارضة مجموعة منوّعة من الوزراء، يُمكن أن تضم في مداها الأقصى، ثلاثة وزراء محسوبين على حزب «الكتائب اللبنانيّة» وثلاثة وزراء محسوبين على رئيس الجمهورية السابق العماد ميشال سليمان، إضافة إلى الوزير بطرس حرب وربما الوزير ميشال فرعون. كما أنّ المعلومات تُشير إلى أنّ الوزير أشرف ريفي مُصرّ على رفض أيّ تسوية سياسيّة على حساب الهيكليّة العسكريّة، بغضّ النظر عن رأي «تيّار المُستقبل» فيها، وذلك كونه كان أوّل من احترم القوانين وخرج من السلك العسكري، في الوقت الذي يجهد باقي المسؤولين للبقاء في مراكزهم خلافاً للقوانين المرعيّة الإجراء!
وختمت المصادر السياسيّة نفسها كلامها بالقول إنّ محاولات إيجاد تسوية ما قد تتواصل حتى الأيّام وربّما حتى الساعات الأخيرة، قبل إحالة العميد روكز إلى التقاعد، لكن الآمال بإيجاد مخرج تضاءلت كثيراً، إلا في حالة واحدة تتمثّل في موافقة العماد عون على إعادة تحريك عمل مجلس الوزراء وفق صيغة تصويت الأغلبيّة، وليس وفق صيغة إجماع كامل الوزراء كما كان يُطالب على مدى أشهر طويلة. فهل يتنازل «الجنرال» مرّة جديدة عن شعاراته العالية السقف، أم يُضحّي بالعميد روكز حفاظاً على ماء وجهه؟!