… ومع انتهاء الأسبوع الأول للانتفاضة الشعبية، قال رئيس الجمهورية ميشال عون كلمته. ثمة إجماع على أنّه تأخّر لأيام، وكان يمكن للخطاب ذاته لو تلاه في أولى لحظات ثورة البركان الشعبي، أن يكون منقذاً ويحاصر تداعيات الحمم المتطايرة. ولكن بعد مرور سبعة أيام على اندلاع نيران الاعتراضات، صار لا بدّ أكثر من ذلك.
هكذا، قوبل خطاب الرئيس برد فعل سلبي في الشوارع الملتهبة، بعدما تجاوز “الثوار” كل الكلام عن خطوات إصلاحية من شأنها أن تنقل إدارة البلاد من عقلية إلى أخرى.
فرض المسار التصاعدي لـ”ثورة 17 تشرين”، والآخذ نحو الانفلاش أكثر، خروج بعض المقترحات المتداولة إلى الضوء، ولو أنّها كانت موضع نقاش صامت طوال الأيام الماضية، والمقصود بها التغيير الحكومي. تكاد مكونات السلطة تقتنع أنّ الأمور بدأت تفلت من بين يديها، وأنّ الحلول الترقيعية التي قدمتها الحكومة عبر الورقة الإصلاحية، لم تؤت ثمارها.
سبق أن أعلنها رئيس الحكومة سعد الحريري، وها هو رئيس الجمهورية يكررها تأكيداً على ما يردده مفترشو الطرق، حول انعدام ثقة الناس بسلطتهم، “لم تعد لديكم ثقة بالطبقة الحاكمة او بالاحزاب، او بمعظم مسؤولي الدولة”، ما يعني أنّ العلّة ليست في رزمة المعالجات التي رفعتها الحكومة، وإنما في القوى السياسية نفسها التي ستتولى التنفيذ.
اذاً، مهما تكدست الأوراق والأفكار والاقتراحات المحلية، وتلك المستوردة، لن يرضى المعترضون ترك ساحات النضال، طالما أنّ “كبار” الطبقة السياسية يمسكون بالقرار التنفيذي، وهؤلاء معظمهم في دائرة الشبهة. ولهذا لا يمكن لأي صدمة حقيقية أن ترضي الشارع، وتكون دون مستوى تغيير حكومي يطال أبرز الوجوه.
وللمرة الأولى، فتح رئيس الجمهورية الباب أمام التغيير. لم يحسم طبيعته وما اذا كان شاملاً أم موضعياً يقتصر على أسماء محددة من شأن خروجها من الضوء أن يطوّق غضب الشارع. قال الرئيس عون بلا أي مواربة: “بات من الضرورة اعادة النظر بالواقع الحكومي الحالي، كي تتمكن السلطة التنفيذية من متابعة مسؤولياتها، وطبعاً من خلال الاصول الدستورية المعمول بها”.
وفور الانتهاء من كلمته سرعان ما سجّلت مستشارته ميراي عون الهاشم تغريدتين تصّبان في الإطار نفسه. تجاوزت عون الـ 800 كلمة التي يتألف منها الخطاب، وركزت على جملة واحدة تكاد تختزل الرسالة الموجّهة إلى اللبنانيين: “صار من الضروري إعادة النظر بالواقع الحكومي”، لتعود وتؤكد إنّ “اللبنانيين يطرحون الثقة بحكومتهم في الشارع بعدما تقاعس نوابهم عن ذلك”.
تبعها بدقائق قليلة النائب شامل روكز الذي غرّد قائلاً “اسمعوا صوت الشعب، انصتوا لمطالبه، احترموا غضبه المقدس، ولا تتجاهلوا أصل المشكلة: لا ثقة بمن في السلطة اليوم! فلترحل هذه الحكومة فوراً! محاولات الترقيع وانعاشها لن تنفع…نحتاج حكومة موثوقين اخصائيين اخلاقيين”.
قد لا تكون المرّة الأولى التي يحرّض فيها روكز على “التضحية” بالحكومة لمصلحة حكومة تكنوقراط، لكن اصراره كما السيدة عون في هذه اللحظة بالذات على تطيير الحكومة، فيه المزيد من الضغط “الرئاسي” المتماهي مع ضغط الشارع، في سبيل إيجاد حلّ للمأزق العميق، من دون أن يحجب هذا العامل الأساس، عوامل أخرى تتصل بالصراعات الداخلية التي تعصف بالبيت العوني.
اللافت أنّ الحريري سارع على الفور إلى تلقّف دعوة رئيس الجمهورية، مرحباً بدعوته لاعادة النظر بالواقع الحكومي، خصوصاً وأنّه من أكثر المنفتحين على خيار “التنقيح” الحكومي الذي يعتبره أهون شرور التنازلات الممكن تقديمها في هذه المرحلة، والتي صار لا بدّ منها.
يذهب المتابعون إلى حدّ الجزم بأنّ قرار “نسف” الحكومة الحالية اتخذ منذ أيام، فيما تجرى المشاورات بين أركان السلطة حول مكونات الحكومة البديلة، خصوصاً وأنّ الحريري لن يقدم على هذه الخطوة الكبيرة إلا اذا تأمّنت الضمانات من مختلف شركائه الحكوميين، وتحديداً من رئيس الجمهورية، صاحب التوقيع النهائي على قرار التأليف، لكي لا يخضع لأي ابتزاز سياسي في مرحلة لاحقة.
إلا أنّ خيار حكومة التكنوقراط لا يزال يحتاج وفق المتابعين، إلى الكثير من التدقيق من جانب “حزب الله” تحديداً الذي يحاذر تسليم السلطة التنفيذية في هذه المرحلة الدقيقة من المتغيرات الإقليمية إلى شخصيات “غير موثوقة” سياسياً.