يجد البعض أنّ التسوية الرئاسية تترنّح وسط الخلافات التي تطفو على الساحة السياسية تزامناً مع طرح مسألة التعيينات الإدارية والإصلاحات القطاعية والهيكلية، خصوصاً وأنّ ملفات عدّة لا يبدو أنّه متفق عليها بين كبار المسؤولين السياسيين من ملف النازحين السوريين، الى التعيينات، وصولاً الى صلاحيات كلّ من رئيسي الجمهورية والحكومة. مصادر سياسية مطّلعة أكّدت أنّ أحداً من الداخل أو الخارج لن يقوى اليوم على فكّ هذه التسوية، التي أدّت بعض المحاولات الى زعزعتها في الآونة الأخيرة لكنّها لم تتمكّن من إسقاطها.
فما بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ورئيس الحكومة سعد الحريري أكبر بكثير من الخلافات على أي من الملفات والإستحقاقات التي يجري بحثها حالياً في مجلس الوزراء، بحسب المصادر، والتسوية التي ارتكزت على تفاهمات استراتيجية متينة وأوصلت العماد عون الى قصر الرئاسة والحريري الى السراي، لن يهزّ أساساتها أي تباين أو خلاف في وجهات النظر. لهذا تقول بأنّ البدائل موجودة دائماً، من خلال إيجاد الحلول الوسط أو القواسم المشتركة حول أمر معيّن. والرئيس الحريري قالها على لسانه بأنّ «رئيس الجمهورية هو ضمانة للجميع وللعيش المشترك»، وسيبقى كذلك على ما يبدو، على الأقلّ من وجهة نظر الرئاسة الثانية.
وفيما يتعلّق بصلاحيات رئاسة الحكومة، ذكرت المصادر أنّ أي من الوزراء، لا يُمكنه الحلول محل الرئيس الحريري مهما فعل من تحرّكات أو أعلن من مواقف، سيما وأنّ «رئيس الحكومة يُمثّلها ويتكلّم باسمها، ويُعتبر مسؤولاً عن تنفيذ السياسة العامّة التي يضعها مجلس الوزراء»، على ما ينصّ عليه اتفاق الطائف. في المقابل، لا يستطيع الرئيس الحريري نفسه إختزال الحكومة بشخصه، سيما وأنّه هو مَن «يُتابع أعمال الإدارات والمؤسسات العامّة ويُنسّق بين الوزراء ويعطي التوجيهات العامّة لضمان حسن سير العمل، كما يعقد جلسات عمل مع الجهات المختصّة في الدولة بحضور الوزير المختصّ».
ولهذا فإنّ المزايدة والحديث عن تساهل الحريري أو محاولة أحد الوزراء أخذ مكانه، بحسب المصادر نفسها، هي أمور لإثارة الجدل ليس أكثر، ولإلهاء المواطنين بأمور غير الملفات التي تعنيهم بالعمق. فالرئيس الحريري «يُطنّش» للبعض أحياناً، على ما أوضحت المصادر، كونه رئيس حكومة كلّ البلد، ويريد بالتالي استيعاب الجميع، على ما يفعل الرئيس عون كونه «بيّ الكلّ». ولفتت الى أنّ العمل الجدّي للحكومة يُظهر مقدار سيطرة رئيسها على الوضع، ومدى تنسيقه مع جميع الوزراء.
فالوضع الإقتصادي هو الملف الأهمّ حالياً كون المجتمع الخارجي يرتكز على إقرار الموازنة العامّة للعام 2019، ويُطالب لبنان بوضع موازنة العام 2020 لكي يُقدم على تأمين الهبات والقروض التي أقرّت في مؤتمر «سيدر» الإقتصادي لدعم لبنان. كما أنّ قيام لبنان بالإصلاحات المطلوبة منه بما فيها خطّة الكهرباء من شأنه أن يدفع الدول المانحة الى تنفيذ وعودها في «سيدر» تجاه لبنان، وتقديم الأموال له التي تبلغ 11 مليار دولار لتمويل المرحلة الأولى من برنامج الإستثمار الوطني.
وفيما يتعلّق بملف النازحين السوريين، قالت المصادر بأنّ المواقف الداخلية لا تزال متباينة حوله، لهذا فإنّ الحكومة سوف تُناقشه بشكل موسّع، توصّلاً لإقرار ورقة سياسة الحكومة في اتجاه النازحين، على ما ورد في البيان الوزاري، كونها باتت مضطرة لتسريع هذا الأمر لا سيما بعد ردّات الفعل الأخيرة «غير المبرّرة» من قبل السوريين الذين دعوا الى التظاهر ضدّ ما أسموه «العنصرية» التي يبديها اللبنانيون تجاه النازحين. علماً أنّ لبنان استضاف العدد الكثيف من النازحين السوريين على كامل أراضيه منذ العام 2011 وحتى اليوم، ولم يحصرهم في منطقة أو مكان معيّن، أو يُقفل الحدود في وجههم، على غرار ما فعلت سائر الدول المستضيفة لهم من تركيا الى مصر والأردن، فألمانيا والدول الأوروبية وسواها.
وأوضحت المصادر، أنّ ما يحصل أخيراً من تناحر بين المواطنين اللبنانيين والنازحين السوريين فيأتي، ليس من منطلق عنصري، خصوصاً وأنّ لبنان سبق له وأن استقبل النازحين الأرمن على أراضيه حتى باتوا لبنانيين، ثمّ استضاف الفلسطينيين بشكل مؤقّت فيما يعيشون في المخيمات الموزّعة في المناطق اللبنانية كافة منذ العام 1948.
ومن هنا، فإنّ الحكومة لا بدّ من أن تضع حدّاً لأي احتقان أو تناحر قد يحصل بين النازحين السوريين والمواطنين اللبنانيين، خصوصاً وأنّها أكّدت في بيانها الوزاري على أنّ «الحلّ الوحيد هو بعودة النازحين الآمنة الى بلدهم ورفض أي شكل من أشكال اندماجهم أو إدماجهم أو توطينهم في المجتمعات المضيفة». كما ستستفيد من وجود الوفد الروسي في لبنان الذي يضمّ المبعوث الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ألكسندر لافرانتييف، ونائب وزير الخارجية الروسية سيرغي فرشيمين لمتابعة العمل بالمبادرة الروسية لإعادة النازحين السوريين الى بلادهم التي رحّبت بها في بيانها الوزاري.
أمّا موضوع ترسيم الحدود البحرية والبريّة، فشدّدت المصادر نفسها، على أنّ التعاون بين الرئاسات الثلاث يجري بشكل جيّد جداً، وبأن رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي هو أكثر المفاوضين صلابة مع الوسيط الأميركي، سيما وأنّه على عِلم بتفاصيل الترسيم وتحديد الحدود. ومن المتوقّع أن يثير الوفد الروسي موضوع ترسيم الحدود خلال محادثاته مع المسؤولين اللبنانيين، بما فيها الحدود اللبنانية الشمالية مع سوريا تسهيلاً لبدء العمل في البلوكين 1 و2، كون الشركات النفطية الروسية تودّ التنقيب عن النفط والغاز فيهما، لكن لا بدّ أولاً من ترسيم الحدود بين البلدين.