إنّ التخيُّل عبارة عن استخدام خاص للغة وتصوير أحد أركان الشعر. الأعمى يتحوّل بعيداً عن الحُفرة حيث يَسقط المُبصِر. إنّ الحكمة هي النظر في الأشياء بحسب ما تقتضيه طبيعة البرهان. (الفيلسوف ابن رشد.)
ذكرت مجلة البحوث القانونية والاقتصادية عن «حقوق وواجبات السجناء والمعتقلين فى المواثيق الدولية والاتفاقيات الدولية المماثلة في المقالة 6، المجلد 55، العدد 2، أيار 2022، الصفحة 241-280» المستخلص التالي:
حرصت کافة المواثيق والعهود والاتفاقيات الدولية والإقليمية على إيراد نصوص تكفل حقوق الإنسان وکرامته، وتتنوّع حقوق الإنسان بتنوّع موضوعها، فهناك الحقوق الشخصية، السياسية، الاجتماعية» وغيرها من الحقوق التي أولاها النص الدولي والإقليمي برعايته، إلّا أنّ هناك توجّهاً ظاهراً نحو حفظ حقوق السجناء باعتبارهم فئة منسية من فئات المجتمع.
في حين، أظهرت مقاطع فيديو بُثَّت على مواقع التواصل الاجتماعي مشاهد من غرفة مراقبة السجناء في سجن صيدنايا سيّئ الصيت في ريف دمشق، بعد تحريره من قِبل فصائل المعارضة بالتزامن مع إعلان إسقاط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد وفراره خارج البلاد.
وتُظهِر المشاهد نزلاء بالسجن بينهم نساء يُرَاقبنَ على مدار الساعة بشاشات عدة مجمّعة في غرفة للتحكّم.
وأفادت فصائل معارضة فجر الأحد بفتح أبواب سجن صيدنايا العسكري الواقع قرب دمشق، وهو من الأكبر في سوريا، إذ تفيد منظّمات غير حكومية منذ عقود بتعرّض السجناء – وجلّهم من المعارضين – فيه إلى التعذيب.
في منشور على «تليغرام»، أعلن حسن عبد الغني، القيادي في إدارة العمليات العسكرية، أنّ الفصائل «حرّرت أكثر من 3500 سجين من سجن حمص العسكري».
وأظهرت المقاطع التي بُثَّت لإطلاق السجناء من داخل المعتقل وجود نساء وأطفال صغار كانوا يَقبعون داخل السجن قبل إطلاق سراحهم من قِبل المعارضة.
وتظهر علامات الصدمة والاندهاش على وجوه من أُطلق سراحهم، إذ وصلت فترات سجن بعضهم إلى 4 عقود…
لا شك أنّ فئة السجناء هم أولى الأشخاص احتياجاً لحقوق الإنسان، فقديماً کان يُنظر إلى السجن والسجين باعتباره خطراً على المجتمع، وأنّ العقوبة ما هي إلّا وسيلة للإيلام والتعذيب؛ وکان هدف السجون عند ظهورها ونشأتها في القرن الـ16 إيواء المتشرّدين والمتسوّلين، وکانت هذه الفئة تلتزم، ممّا دعا البعض إلى تسمِيَتها بسجون العمل أو بمنازل عمل أمستردام. وعُرِف هذا النوع من السجون في کل من هولندا وإنكلترا، واعتُبرت وسيلة لإجبار هؤلاء الأشخاص على العمل.
إلّا أنّه بظهور أفكار السياسة العقابية الحديثة وما حملته بَين طيّاتها من رياح التطوّر، التي تمخّض عنها التغيير الجذري في النظر لحقوق السجناء والمعتقلين، واعتبار السجن أحد أساليب المعاملة العقابية التي تهدف إلى التهذيب والإصلاح والتقويم، بالإضافة إلى حماية حقوقهم ومعاملتهم معاملة إنسانية تُيسّر لهم عقب الإفراج النهائي سلوك سبيل طريق العيش الشريف واندماجهم في نسيج المجتمع.
ونظّمت المواثيق الدولية حقوق وواجبات السجناء في العديد من المواضع والنصوص، والأمثلة الظاهرة على هذه المواثيق، ما صدر عن منظمة الأمم المتحدة من إعلانات واتفاقيات وعهود لحماية وتطوير حقوق الإنسان، بداية من ميثاق الأمم المتحدة، ثم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ثم العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وغيرها من المواثيق والاتفاقيات، التي جاءت لتشمل حماية حقوق السجناء…
من سلسلة كتيبات العدالة الجنائية الأمم المتحدة – فيينا، 2020 اخترت «كُتيِّب بشأن تصنيف السجناء» موجز المبادئ والتوصيات الرئيسية وأهمية تصنيف السجناء:
يشير «التصنيف» إلى إيداع السجناء أو توزيعهم على أحد مستويات الاحتجاز أو الإشراف المتعدّدة من أجل مطابقة المخاطر والاحتياجات الفردية للسجناء مع الموارد الإصلاحية ونظام الإشراف المناسب.
وعملية التصنيف المُحكمة تصميماً وإدارةً هـي حجر الزاوية في نظام السجون الفعّال، وأساس (حماية حقوق الإنسان)، وعماد القدرة على تخطيط القضايا والعقوبات بحسب كل حالة على حدة، والاستخدام الفعّال للموارد الإصلاحية المحدودة.
ويؤثر التصنيف مباشرةً على العديد من جوانب إدارة السجون، بما في ذلك (سلامة وأمن السجناء) وموظفي السجون وعامة الجمهور، واحتجاز السجناء في (ظروف إنسانية)، والقدرة على تخطيط القضايا والعقوبات بحسب كل حالة على حدة.
ثم تقليل ما أمكن من التصنيف المفرط في السجون ذات الإجراءات الأمنية المشدّدة، والظروف التقييدية وغيرها من التدابير التي قد لا تكون مبرّرة!
«الضمير» بحسب فيكتور هوغو هو روح العالم، فبِهِ يَعرِف البشر بعضهم البعض. العالم لا يُعاني من غياب القوانين والعقوبات، بل من غياب الضمير الإنساني، الضمير هو الرادع الحقيقي لا العقوبة».
وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقاريرها المتعدّدة 72 أسلوباً للتعذيب استعملها النظام السوري في سجونه، مسجّلةً مَقتل أكثر من 20 ألف شخص منذ آذار 2011 حتى هذه الأيام، بسبب التعذيب في مراكز الاحتجاز والتعذيب.
وبحسب التقرير فإنّ ما لا يَقلّ عن 1,2 مليون مواطن سوري على الأقل قد مرَّ بتجربة اعتقال في سجون النظام السوري منذ اندلاع الحراك الشعبي نحو الديموقراطية في سوريا في آذار 2011، منهم 130 ألف شخص لا يَزالون قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري.
وذكر التقرير، الذي جاء في 62 صفحة، أنَّ التعذيب داخل مراكز الاحتجاز التابعة للنظام السوري لا يزال مستمراً حتى الآن.
وأورد التقرير 20 رواية لناجين من التعذيب أو من ذوي ضحايا تمّ الحصول عليها عبر حديث مباشر مع الشهود وليست مأخوذة من مصادر مفتوحة.
ووفقاً للتقرير، فقد تعدَّدت أنماط التعذيب التي استخدمتها قوات النظام السوري داخل مراكز الاحتجاز التابعة لها، ومُورِست بشكل واسع، حتى لا يَكاد يوجد معتقل ناجٍ لم يتعرّض إلى أحد هذه الأساليب أو إلى عدد منها معاً.
وصنَّف التقرير أنماط التعذيب ضمن 7 محاور أساسية، ويتفرّع عن كل نوع أساليب ثانوية عدة بما يُشكِّل مجموعه 72 أسلوب تعذيب متَّبعاً من قِبل قوات النظام السوري بحق المحتجزين.
وأشار التقرير إلى إمكانية وجود أساليب أخرى لم يتم التَّعرف عليها وتوثيقها، وأكَّد أنّ المعتقل قد يتعرّض إلى أساليب تعذيب متنوّعة وعديدة خلال جلسة تعذيب واحدة.
وأنماط التعذيب الرئيسة، هي: التعذيب الجسدي ويضمّ 39 أسلوباً مثل سكب المياه الساخنة أو الباردة والإغراق والتعذيب باستخدام الكهرباء من خلال صعق المعتقل في أعضائه التناسلية والضرب وتعليق الجسد والفلقة.
وظروف الاحتجاز الرديئة صفة تُهَيمن على سوء معاملة النظام السوري لمحتجزيه، منها: الإهمال الصحي، ويتضمّن 6 أساليب: منها الحرمان من الدواء والعلاج أو حتى استخدام المرحاض.
والعنف الجنسي يضمّ 8 أساليب، منها: الإجبار على التعرّي والتحرّش والاغتصاب.
أمّا التعذيب النفسي وإهانة الكرامة الإنسانية فيضمّ 8 أساليب، منها: إجبار المعتقل على تقليد أصوات الحيوانات.
والتعذيب في المشافي العسكرية يتضمَّن 9 أساليب، مثل منع المعتقل من ذكر اسمه وتخصيص رقم له فقط وتبديل الضمادات بقسوة وعدم استعمال الأدوات المعقمة، بالإضافة إلى أعمال السخرة وظاهرة الفصل، إذ أنّ بعض المعتقلين تحت ظروف التعذيب يُصابون بهستيريا أو فقدان ذاكرة فلا يتمّ فصلهم ويُترَكون مع المعتقلين.
وأشار التقرير إلى أنّه حدّد أخّيراً هوية 29 شخصاً ظهروا في صور التقطها «قيصر» وسُرِّبت من المشافي العسكرية، وتشير إلى أنَّ التقارير السابقة الصادرة عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان كانت قد حدّدت هوية 772 ضحية.
«قيصر» هو مصوّر منشق عن النظام السوري حصل على اللقب بعد تسريبه مطلع 2014 حوالى 55 ألف صورة، توَثّق 11 ألف ضحية قضت في معتقلات نظام بشار الأسد.
لم يكن نظام الأسد وعائلته سوى آلة قتل لا تتوقف عن الفتك بكل ما يتحرّك ويغرّد بحثاً عن الحرّية والخروج من القفص والتحليق عالياً. نظام حدائق الكريستال الجذموري المستبد الذي ينطبق عليه قول توماس بين: «محاولة التحاور مع شخص تخلّى عن أي منطق أشبه بإعطاء الدواء لجثة».