IMLebanon

خريف الأمم المتحدة:  التفرّج على الجحيم

كل العالم في علبة الكبريت الزجاجية عند نهر هدسون في نيويورك. ولكل خريف في نيويورك دورتان: واحدة هي الدورة السنوية العادية للجمعية العمومية. وأخرى هي اللقاءات في الكواليس ومراكز الاقامة بين كبار المسؤولين. الأولى موسم للخطابة من فوق أعلى منبر في العالم، وفرصة لدعوات الى اجتماعات على مستوى القمة مخصصة لموضوع محدد كان هذه المرة تحديات الهجرة واللجوء. فضلاً عن جلسات لمجلس الأمن حول وضع متفجر مثل جلسة أمس على مستوى وزراء الخارجية لمباراة في الكلام على سوريا.

وفي الدورتين يبدو الكلام فخماً. لكنه إما عاجز عن التأثير في مسار الأحداث، وإما غطاء للموقف الحقيقي من الأحداث كأنه جزء من الحروب والأزمات. فالنظام العالمي، سواء أيام الثنائية القطبية أو الآحادية القطبية أو التعددية القطبية، يدار عملياً من خارج الأمم المتحدة ومجلس الأمن الذي ضربه الشلل الكامل بالفيتو أيام صراع الجبّارين الأميركي والسوفياتي في الحرب الباردة مضروب حالياً بشلل جزئي في الصراع من أجل المشاركة بين أميركا وروسيا والصين. لا هو يستطيع اتخاذ قرار عندما تختلف البلدان الثلاثة في المواقف، ولا هو قادر على تنفيذ قرار جرى التوصل اليه بالإجماع.

ذلك ان المجلس عجز عن تنفيذ كل القرارات حول سوريا، وأحدثها القرار ٢٢٥٤. وما كان له دور حتى في هدنة هشّة لم تدم أياماً. وهو عجز عن تنفيذ القرار ٢١١٦ في اليمن المتخذ بالاجماع والمستند الى الباب السابع من الميثاق. وكل ما قيل حتى الآن في الجلسات واللقاءات بدا مجرّد أصوات ينتهي مفعولها عند باب المنظمة الدولية. فلا شيء يفتح الطريق في سوريا الى وقف نار شامل وتفاوض جدّي على تسوية سياسية. ولا خطة عملية لمعالجة مأساة النزوح واللجوء والهجرة التي دفعت ٦٥ مليون انسان الى التشرّد.

ولا مبرّر لقول المسؤولين في الأمم المتحدة انهم لا يعرفون كيف جرى قصف قافلة الاغاثة في منطقة حلب، على افتراض ان لديهم الجرأة لتسمية الجهة التي ارتكبت جريمة حرب. فالعمل المفيد الملموس الذي تقدمه الأمم المتحدة، الى جانب قوات حفظ السلام، هو ما تقدّم به وكالاتها من مساعدات اغاثية وطبية وتربوية لضحايا الصراعات. والباقي تعايش مع الحروب والأزمات.

كان الأمين العام الراحل داغ همرشولد يقول ان مهمة الأمم المتحدة ليست ايصال العالم الى الجنّة بل انقاذه من الجحيم. لكن هذه المهمة تكاد تصبح مستحيلة في سوريا واليمن وليبيا. والمخيف ان يبدو خريف نيويورك هذا العام كأنه خريف الأمم المتحدة.