IMLebanon

الملف «المُستَباح»: فضائح بالجُملة!

 

صدر عن المديرية العامة للأمن العام قبل ايام بيان لافت في صراحته وحزمه حيال بعض الجهات والشخصيات التي تنشط في لبنان على ضفاف قضية النازحين السوريين، الأمر الذي يدفع الى التساؤل حول دلالاته ومقاصده، وعما يجرى في كواليس هذا الملف الذي اختلطت فيه العوامل الإنسانيّة بحسابات المنفعة.

 

إستخدم بيان «الأمن العام» لهجة مرتفعة النبرة ضد ما سمّاها «الجمعيات والمنتديات المدفوعة الأجر التي حوّلت هذا الملف موضوعاً للإتجار السياسي، وتستعين ببعض المتسكعين عند هذا الزعيم أو تلك السفارة»، مؤكداً انه سيتم اتخاذ كل الإجراءات القانونية لوقف أُجراء ومستخدمي هذه المنظمة او تلك، «لأنّ الأمن الوطني والسلامة العامة ليسا منصّة للتسلُّق والتكسُّب المالي».

 

ويُبيّن التدقيق بين السطور أنّ «الأمن العام» كان يقصد مجموعة محددة من الأشخاص، تضم بعض الإعلاميين والسياسيين والناشطين، ممَّن يتعاونون مع جهات دولية، في مواجهة أعباء النزوح. ويبدو أن أشد ما أغضب «الأمن العام» هو أن هؤلاء إتّهموه بالترحيل القسري لعدد من السوريين، بينما الحقيقة، كما ترويها مصادر أمنية، هي أن مواطنين سوريين وصلوا أخيراً الى مطار بيروت ولم يكونوا مستوفي الشروط القانونية التي تتيح لهم الإقامة في لبنان، ورفضوا العودة من حيث أتوا وطلبوا الذهاب الى سوريا، فتقرّر ترحيلهم إنسجاماً مع مقتضيات القانونين اللبناني والدولي في مثل هذا الوضع، وبالتالي نُقلوا الى الحدود اللبنانية – السورية وتُرك لهم أن يتدبّروا أمر عبورهم، من غير أن يكون قد تم تسليمهم.

 

وتعتبر المصادر انّ هذا الإجراء لا تنطبق عليه مواصفات الترحيل القسري للنازحين، لأنّ حيثياته وظروفه مختلفة.

 

ويكشف المطلعون على كواليس ملف النازحين وخفاياه، انّ المفوضية العليا لشؤون اللاجئين تغطي مظاهر وسلوكيات «نافرة»، كذلك يتهمونها بالاستمرار في محاولة عرقلة عودة النازحين الى وطنهم، مع فارق وحيد عن السابق وهو أنها باتت تميل الى التحرك أكثر خلف الستارة ودفع آخرين الى الواجهة والمواجهة، بعد القرار الشهير الذي اتّخذه وزير الخارجية جبران باسيل بمنع تجديد إقامات بعض موظفي «المفوضية»، إعتراضاً على سلوكها الذي يشجع النازحين على البقاء في لبنان، بدلاً من أن تنشط في اتجاه تأمين عودتهم الى المناطق الآمنة في سوريا.

 

ووفق معلومات المطلعين، فإن رائحة الفساد والهدر تفوح بقوة من «الأوعية المالية» المخصصة للنازحين، لافتين الى ان المفارقة الغريبة تكمن في ان 91 في المئة من الذين نزحوا الى لبنان يعانون من نقض حاد في «الأمن الغذائي»، وأنّ 76 في المئة منهم هم تحت خط الفقر، وان النازح الواحد يتقاضى نحو 27 دولاراً شهرياً، ما يطرح علامات استفهام حول وجهة استخدام مليارات الدولارات التي أنفقها المجتمع الدولي حتى الآن، والى أين ذهب جزء منها على الأقل، ومَن هم المستفيدون المستترون من الغموض او «التسرب» الحاصل في بعض جوانب الإنفاق.

 

وما يدعو الى مزيد من الإستغراب، تبعاً للوقائع التي يملكها العارفون، هو انّ بعض العاملين «المحظوظين» في عدد من المنظمات والجمعيات المعنية بقضية النازحين، يتقاضون في المقابل رواتب مرتفعة ويحظون بنمط عيش ينطوي على كثير من الرفاهيّة، خلافاً للواقع الذي يرزح تحته معظم النازحين، إضافة الى أنّ هناك هيئات هي وهمية في الأساس ويتلطى خلفها المنتفعون للحصول على أموال من المنظمات الدولية.

 

ومن بين مظاهر «اللبننة» التي طبعت هذه القضية ما يتعلق بانتماءات الجمعيات اللبنانية المتعاونة مع المنظمات الدولية، إذ إن المسح الديموغرافي يُبيّن أنها تتوزع على معظم الطوائف، وفق قاعدة 6 و 6 مكرر، بحيث إن التوازن في هذا المجال يكاد يكون «مثالياً».

 

لكن الاخطر هو ما صادف احد الوزراء اللبنانيين خلال مشاركته في مؤتمر دولي في جنيف، حيث فوجئ بأنّ هناك مسعى مقصوداً لأوساط مشاركة الى استبدال «النزوح» بـ«اللجوء»، و«النازحين» بـ«اللاجئين»، مع ما ينطوي عليه ذلك من أهداف غير بريئة.

 

وبناءً على كل هذه التعقيدات، يعتبر العارفون أن مكافحة الفساد في ملف النازحين ليست سهلة، لأنها تعني قطع أرزاق البعض من أصحاب المصالح الذين يستظلون بغطاء سياسي، وبالتالي فإن هؤلاء سيسعون الى تعطيل أيّ جهد لإعادة النازحين أو لتصويب طريقة التعاطي معهم.