سيداتي آنساتي سادتي، بعد قليل ينتهي البث المباشر المتواصل على الشاشات اللبنانية الذي يحور ويدور حول فواتير هذا البلد وويلاته، وأنتم مدعوون جميعاً لمرافقتنا الى أرض الواقع في رحلة خاطفة على متن «بيك أب» إلى أحد محال الخضار والفاكهة في أمّ الشرائح بيروت، شرحات البندورة والكوسا والخيار المشرشرة على بسطات سرقة كلّ الفراطة الباقية في جيب المواطن.
بصراحة، ما حدا بقى عِتلان همّ فواتير الكهربا والمياه والتلفونات والمحروقات، لأننا كلنا ثقة بجهود المسؤولين لحلّها قبل يوم الدينونة بإذن الله… وفي ظلّ البحبوحة والسيولة الفائضة في أسواق العمل، ما حدا أصلاً فِرقانِة معو شوَيّة ضرايب غشيمة واعتباطية على خدمات لا نرى منها إلّا فواتيرها.
يقولون إنّ من يرى مصيبة غيره تهون عليه مصيبته، ولا يقولون إنّ من يرى أسعار الخضار في لبنان تهون عليه فواتيره… وهانَت العيشة بوجه خاص على الصائمين الذين تذكّروا يوم الاثنين الفائت أنهم تراب في بلد الخراب والى التعتير يعودون ويعودون، يدوس عليهم التاجر والفاجر ورجال الدين والسياسة بعد أن حرموهم حتى من أكل الفقراء والمتواضعين، وأهانوهم بأسعار الخضار والفاكهة التي تشكّل أساس نظامهم الغذائي في الأيام الخمسين القادمة، ولم يجدوا من يدافع عنهم أو يتكلّم باسمهم من أولئك الغيورين على مصالح الطائفة في صالونات الفلل والكنائس.
فهمنا أنكم تتقاسمون خيرات الكهرباء والموتورات والاتصالات والمياه، ونحن ندفع ثمن سرقاتكم ومحاصصاتكم ومصاريف كارتيلاتكم… لكن بأيّ عدل وقانون ومنطق يصِل كيلو اللوبية إلى 16000 ليرة لبنانية في زمن الصوم؟
كيلو اللوبية الذي يشتريه التجّار من المزارع في الحقل بسعر لا يزيد في أفضل الأحوال والمواسم عن 1500 ليرة، كيف يصل إلى المستهلك بـ10 أضعاف الكلفة؟ هذا إلّا إذا كنتم تخزّنون الخضار في فنادق خمس نجوم وتحجزون لها غرفاً مطلّة على البحر مع ترويقة، أو إلّا إذا كنتم تقطعون لها تذاكر سفر للاستجمام في لوس انجليس قبل أن تموت مَنقوعة في طنجرة اللوبية بزيت.
أو يبدو أنّ هناك مسعى من الأوادم في البلد إلى التعويض على مزارعي التفّاح بما يفيض من أسعار اللوبية، أو يفكّرون ببناء تعاونيات زراعية وتنموية في المناطق المحرومة من خيرات اللوبية البادرية.
أيّ أمّ وأيّ ربّ عائلة يمكن أن يهاب بعد اليوم فاتورة ملغومة من الفواتير المعتادة، عندما يرى أنه عاجز عن تأمين ثمن تحضير جاط فتّوش لعائلته الصائمة، وأيّ سرقة قد تخيف أيّ لبناني بعد أن بات يلمس في جيبه الفارغ أنه لا يمكنه أن يعيش حتى فقيراً في هذا البلد.
سعر الخيار والبندورة أصبح أغلى من سعر صرف الجنيه الاسترليني واليورو، والانقطاع عن الزَفر في هذه الأيام بات يكلّف أكثر من بقرة جحا… وبما أنّ البقرة أصبحت أرخص من شوال البطاطا، وبما أنّ كل المنتوجات الحيوانية من لحوم ودجاج وأسماك هي بفِعل التنصيبَة الوطنية أرخص من ضمّة البقدونس والبقلة والباذنجان المدعبل… فلا بدّ أن يسارع رجال الدين المسيحيين في لبنان إلى تحريم أكل الخضار خلال فترة الصوم المبارك، وفرض أكل الزفر من دون انقطاع حتى يسمحوا للمؤمنين بتوفير أكبر كمية من الأموال والتبرّع للفقراء والمحتاجين بشي 2 كيلو لوبية عندما يحلّ العيد الكبير.
من المفروض أن يكون الصوم فترة تقشّف وغسل ذنوب وتقرّب من الله، ولكن كلّ شَروة خُضرَة تحوّله إلى فترة كفر وغضب، وكلّ لقمة لوبية بزيت يمكن أن تبعدنا أكثر عن الله.