IMLebanon

البيان الوزاري الأسرع في جمهورية ما بعد الطائف: دقة في اختيار المصطلحات ومحاكاة الجميع طلباً للثقة

 

 

صدق وزير الاعلام جورج قرداحي بقوله ان الفترة الزمنية القياسية التي أقرّ خلالها البيان الوزاري يمكنها ان تدخل كتاب غينيس للارقام القياسية. فلأول مرة في تاريخ لبنان تعد الحكومة بيانها الوزاري خلال ثلاث جلسات امتدت على نحو ست ساعات ليس اكثر. لتتفوق بذلك الحكومة الجديدة على الحكومات التي سبقتها حيث استغرقت حكومة الرئيس تمام سلام اطول فترة نقاش للبيان الوزاري استمرت 28 يوماً، بعده حكومة الرئيس فؤاد السنيورة التي استغرقت 26 يوماً للخلاف على بند المقاومة، وفي عهد حكومة الرئيس سعد الحريري استغرق نقاش البيان قبل اقراره 20 يوماً متتالياً لخلاف على الخطة الاصلاحية.

 

نجحت حكومة “العزم والامل” في اخراج بيان وزاري يتطرق الى كل المواضيع الخلافية من دون ان يعكر صفو اي فريق. القدرة على الصياغة هنا تفوقت من خلال اختيار المصطلحات والعبارات التي تحاكي القانون وهموم الناس وغير مستفزة. اختار رئيس الحكومة نجيب ميقاتي اسم حكومته، فاستعار من تياره مصطلح العزم مضيفاً اليه جرعة امل لعلّ وعسى ان ينجح الوزراء في انجاز اليسير في الاشهر القليلة المتبقية لحكومتهم.

 

كما في الاصرار على حكومة من 24 وزيراً يتمثل بها كل الاحزاب والطوائف كذلك جاء البيان الوزاري مليئاً ببنود تحتاج سنوات لتنفيذها. يظهر البيان ان صياغته كانت تحاكي ثقة الكتل النيابية في البرلمان، تلك الثقة التي تحتاجها الحكومة لا سيما من الكتل النيابية المسيحية اي “القوات” و”التيار الوطني الحر”. وإذا كانت القوات حسمتها بأن اختارت ان تكون خارج السلطة واعلنت حجب الثقة عن الحكومة لحظة تشكيلها، فالعين على “التيار الوطني الحر” الذي توجّه رئيسه على رأس وفد من التكتل لزيارة الرئيس ميقاتي الذي أصر على مناقشة بنود البيان، مستبقاً جلسة نيل الثقة الحكومية. في العناوين العريضة كما في التفاصيل يمكن اعتبار ان ما تضمنه البيان الوزاري يحاكي بنسبة كبيرة تطلعات “التيار الوطني الحر” ومطالب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، لا سيما لناحية التدقيق الجنائي.

 

بعناية دقيقة تم اختيار مصطلحات البيان الوزاري، ليتم التهرّب بذكاء من كل ما من شأنه ان يعكر صفو انطلاق الحكومة. على مدى ثلاث جلسات تقدم الوزراء بملاحظاتهم، وأعدوا خطوطاً عريضة عن برنامج عمل كل وزارة فخرج البيان متضمناً وعوداً مختلفة، بعد ان اعاد التأكيد على مبدأ حق الشعب بالمقاومة. ومن خلاله تعهدت الحكومة اجراء الانتخابات النيابية في موعدها، والسير بالتحقيق الجنائي، والتأكيد على متابعة التحقيقات في جريمة المرفأ، ولعل هذا البند من اكثر البنود التي نالت حيزاً من النقاش بالنظر الى حساسية المصطلحات المستخدمة وتجنباً لاستفزاز اهالي الضحايا، اما في موضوع الكهرباء فتجزم مصادر مشاركة ان احداً لم يتطرق لموضوع المعامل لا سلعاتا ولا غيرها، على عكس ما حاول البعض الايحاء به. ومن المسلمات التي اعيد التأكيد عليها ايضاً القرارات الدولية والمفاوضات حول ترسيم الحدود وقضية الامام موسى الصدر. ومالياً تمّ التأكيد على اعادة تنظيم القطاع المصرفي بما يضمن للمودعين حقوقهم، كما تم التأكيد على اعادة هيكلة الدين والتفاوض مع صندوق النقد. هذه وغيرها من عناوين لم تتوضح آلية تنفيذها، وامكانية ذلك من الاساس، حيث ان التشكيك بامكانية التنفيذ انطلق من المعنيين بالشأن المالي اولاً ممن رأوا صعوبة في التزام تنفيذ بعض البنود.

 

ونفت مصادر وزارية داخل لجنة صياغة البيان الوزاري ان تكون النقاشات داخل الجلسة اتخذت طابع الحدة او وصلت الى حد الخلاف، لتجزم ان الليونة كانت هي الطاغية واصفة البيان الذي اعد على انه من اكثر البيانات الوزارية موضوعية، فلم يأتِ فضفاضاً ورناناً لأن كل الوزراء في اللجنة التقوا على هدف واحد وهو محاكاة مشاكل الناس وهمومهم.

 

بعد جرعة تشكيل الحكومة، انجز البيان الوزاري كجرعة ثانية ستليها حكماً جلسة الثقة النيابية للحكومة المتوقعة الثلثاء المقبل، لحاجة النواب الى مهلة 48 ساعة للاطلاع على نص البيان قبل مناقشته تتخللها عطلة نهاية الاسبوع. والى ان يحين موعد الجلسة فرئيس الحكومة سينصرف الى ضمان نيل حكومته الثقة بأعلى معدل اصوات ممكن. وإذا كان البيان الوزاري يفترض ان يتضمن خطة عمل الحكومة وبرنامجها المفترض ان تعمل على تحقيقة وتتقدم من مجلس النواب لنيل ثقة النواب على اساسه، الا انه تحول بفعل الانقسام السياسي الحاد حول الكثير من المواضيع الى برامج سياسية بشعارات فضفاضة تعلنها الحكومة، مستندة الى غياب رقابة البرلمان ومحاسبته. حتى ان بعض العناوين صارت حكماً ملازمة لكل بيان لأسباب سياسية. وفي الغالب لا تلتزم الحكومة تنفيذ بيانها اما لخلافات سياسية او لضيق الوقت، ذلك ان عمر الحكومات في لبنان عادة ما يكون قصيراً ولن تخرج حكومة ميقاتي عن هذا التقليد، وهي حكومة تقف على عتبة المهل القانونية لاجراء الانتخابات النيابية، لكن، وعلى حد قول احد وزرائها ان الايجابية الاولى تكمن في تشكيل حكومة، قد تقتصر مهمتها على وقف الانهيار ليعدّ ذلك انجازاً بالنظر الى اوضاعنا السيئة.