وقتَ ظهور هذه السطور للنور تكون إيران على بُعد ساعات قليلة من تسونامي قاتل يكاد يطبق على مختلف مناحي الحياة فيها، وعليه يبقى السؤال الجوهري: إلى أين تمضي إيران؟ وكيف لها أن تواجه العاصفة المقبلة؟
يُمكن بدء النظر إلى الواقع الإيراني من أحدث الأخبار التي تؤكد صدقية الاتهامات الموجَّهة إليها بوصفها أكبر نظام داعم للإرهاب إقليمياً ودولياً، وليس أدلّ على ذلك من البيان الذي صدر، نهار الخميس الماضي، من قِبَل وزراء خارجية خمس دول أوروبية: الدنمارك والسويد والنرويج وفنلندا وآيسلندا، وجميعهم عبّروا عن قلقهم البالغ من محاولة اغتيال معارضين إيرانيين من قِبل الاستخبارات الإيرانية على الأراضي الدنماركية.
البيان يؤكد ما أشرنا إليه من قبل، وموصول بفرق الاغتيالات الإيرانية المنتشرة حول العالم الساعية إلى تصفية الخصوم السياسيين لنظام آيات الله، والمنتسبين إلى الحرس الثوري، حتى وإن ظهروا في هيئة دبلوماسيين كغطاء رسمي.
التسونامي المقبل لن تقوى إيران بالفعل عليه، لا سيما أنه سيضرب أهم قطاعين من قطاعات الاقتصاد الإيراني؛ النفط والبنوك، وبمزيد من التفصيل فإن المجالات التي ستتأثر في قطاع النفط هي الموانئ وشركات الملاحة، والمعاملات المرتبطة بصناعة النفط، مثل الشركة الوطنية الإيرانية للنفط، والشركات التجارية، والشركة الوطنية لناقلات النفط.
بينما يشمل الجانب المالي البنك الوطني الإيراني، ومعاملات المؤسسات المالية الأجنبية، وأي مؤسسات أخرى تزخم الاقتصاد الإيراني.
يمكن للمرء الباحث عن مستقبل الاقتصاد الإيراني أن يقارن بين الأوضاع الداخلية في إيران قبل 2015، أي قبل توقيع الاتفاقية النووية، وكيف كان حاله من السوء، وما هو متوقَّع بعد الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني)، موعد الحزمة الثانية من العقوبات الأميركية، مع الأخذ في عين الاعتبار أن ما سبق الاتفاقية سيئة السمعة كان حظراً للصناعات النفطية، أما الآن فهو منع تصدير إيران لنفطها إلى أن يصل إلى الدرجة صفر.
كيف ستؤثر تلك العقوبات على إيران داخلياً وخارجياً؟ ربما كان هذا هو التساؤل المزعج للملالي وهم يرون الوضع الداخلي المأزوم جداً في الشارع الإيراني الذي لم يعد قادراً على احتمال مزيد من التضييق أو نقص السلع الغذائية الرئيسية، وتدهور مستوى الخدمات إلى حد أبعد مما هي عليه الآن من السوء.
المرحلة الجديدة من ضغوط ترمب القصوى تستهدف 70 في المائة من إيرادات الدولة الإيرانية، أي النفط، وللقارئ أن يتخيل الدمار الذي سيحيق بالنسيج الاجتماعي الإيراني، مما لن تفلح معه الشعارات الرنانة والطنانة عن المقاومة أو مواجهة الشيطان الأكبر.
داخليا أيضاً سوف تتأثر البرامج العسكرية الإيرانية، لا سيما برنامج إيران الصاروخي، والبرنامج النووي المثير للجدل.
المثير فيما ورد حديثاً من أنباء عن معهد العلوم والأمن الدولي في واشنطن، وأخذ شكل تقرير مفصل عن اتخاذ إيران قرارات حول كيفية تنفيذ «اللامركزية»، وتفريق عناصر برنامجها للتسلح النووي، هو القول إن إيران خدعت العالم، وسلاحها النووي شبه جاهز، بعد أن قام الخبراء والعلماء في مشروعها النووي بتطوير الرؤوس الحربية، وبناء خمسة أنظمة رؤوس حربية نووية، وإمكانية استخدام الصواريخ في التحضير لاختبارات نووية تحت الأرض.
ربما لا يكون هنا مقام التفصيل عن ذلك التقرير، لكنه على الأقل يعطي للناظر صورة حقيقية عن النيات الإيرانية دون مناورات أو تسويف للوقت، ويعكس الأمر أيضاً ما تُضمِره إيران للقاصي والداني من توجهات للمواجهة المقبلة.
هل يمكن أن يؤدي التسونامي المقبل إلى مواجهة عسكرية إقليمية لا تنفك تتطور إلى دولية؟
أغلب الظن أن الجانب الأميركي لا يسعى إلى تعظيم مثل هذا السيناريو، وجل ما يريده ساكن البيت الأبيض هو تحجيم النفوذ الإيراني، ووقف برامجه النووية، غير أن ردات فعل الملالي قد تذهب بالفعل إلى ما هو أبعد، خصوصاً حال مضت في طريق إعاقة الملاحة الدولية وحركة صادرات النفط من منطقة الخليج العربي إلى بقية أرجاء العالم، إذ ساعتها ربما سيكون الرد عسكرياً، وبالدرجة الأولى كتابع من توابع التسونامي المقبل.
على الجانب الآخر، فإن هناك كثيرين سوف يتعرضون بشكل غير مباشر لأضرار من جراء العقوبات، وفي المقدمة من هؤلاء ميليشيات ووكلاء إيران في الشرق الأوسط.
ستة عشر مليار دولار أنفقتها إيران منذ عام 2012 وحتى اليوم على دعم الحوثيين وحزب الله والحشد الشعبي وحماس وبقية تلك الجماعات طوال الأعوام الستة الماضية، وبالقطع من قبلها، وأكبر المتضررين ولا شك سيكون حزب الله الذي بدأت علامات الأزمة تظهر على خططه، من خلال تقليل أعداد قواته في سوريا بسبب تناقص الدعم الإيراني، ويحاول الحزب وضع مجموعة من إجراءات التقشُّف في محاولة لتخفيض نفقاته.
لم تكن تصريحات حسن روحاني رئيس الجمهورية الإيرانية من قبيل الخداع حين أشار إلى أن الشعب الإيراني سوف يتعرض لأحوال صعبة خلال الأشهر المقبلة، لا سيما مع بدء الولايات المتحدة تطبيق عقوبات جديدة ضد إيران.
وقبل روحاني تحدث الرئيس الأسبق محمد خاتمي، مشيراً إلى أنه إما الإصلاح الجذري أو زوال النظام، وإن لم يوضح الرجل عن أي إصلاح يتحدث؟ الإصلاح الظاهري الصوري أم العميق المتصل بتوجهات إيران العدائية داخلياً وخارجياً؟ ويبدو جلياً أنه لا فرق في إيران بين من يسمون الحمائم أو من يسمون الصقور، فكلهم متشددون دوغمائيون لهم رؤية واحدة، وإن سعوا إلى تحقيقها بطرق واستراتيجيات متباينة.
التسونامي الذي يضرب إيران أخيراً لا يتصل في واقع الأمر بالعقوبات الأميركية فقط، بل بمدى الانقسام والتشظي في الداخل الإيراني، الأمر الذي وصل إلى رجال الدين الإيرانيين أنفسهم، مثل آية الله موسى شبيري زنجاني، أحد المنتقدين لسياسات النظام الإيراني بقوة، الذي التقى أخيراً عدداً ممن يُطلق عليهم «الإصلاحيون»، ما يفيد بأن الاهتزازات والارتدادات الداخلية تتشارك مع العقوبات في زعزعة أسس الجمهورية الإيرانية أمس واليوم وغداً.
لن يفيد النظام الإيراني التلاعب على المتناقضات، مثل تعليقات وزير الخارجية جواد ظريف بأنه للمرة الأولى تقف أوروبا في مواجهة إيران، ذلك أنه عند نقطة بعينها من المواجهة ستتأكد القارة العجوز من أن مصالحها الاستراتيجية مع واشنطن وليست مع طهران.
إن أوراق لعب الكبار على الطاولة أبعد كثيراً من أن تملك إيران نظيراً لها، في عالم براغماتي سيكوباتي أناركي.
الخلاصة… إيران في مواجهة التسونامي وتنتظر انفجار البركان.