كأنّ السنة الدراسية لم يكن ينقصها إلّا بلبلة الحديث عن إمكانية إلغاء الشهادة المتوسطة على بُعد أسبوعين من انطلاق قطار الامتحانات الرسمية، كأنه لا يكفي ما دفعه الطلاب من تشرذم وتشتت وضياع نتيجة شد الحبال بين الأساتذة والأهالي والإدارات، إذ تَنشدّ الانظار اليوم إلى ما ستحمله جلسة مجلس الوزراء على صعيد مناقشة اقتراح قانون يرمي إلى إلغاء الامتحانات الرسمية للشهادة المتوسطة. فيما علمت «الجمهورية» أنّ بكركي ستشهد اجتماعاً تربوياً خاصاً بالمدارس الكاثوليكية وعلى جدول أعمالها مواصلة مناقشة تداعيات القانون 46، قبل ظهر اليوم.
يتقدّم سنوياً نحو 62 ألف تلميذ من الامتحانات الرسمية لنيل الشهادة المتوسطة، مرحلة أشبه بمصفاة تُغربلهم ما بين العبور إلى المرحلة الثانوية أو الإنتقال إلى التعليم المهني والتقني، فيما نسبة لا يُستهان بها لا يُحالفها الحظ. محطة تُخرج التلميذ من محيطه الضيّق لتضعه امام أول استحقاق لاختبار قدراته والاتّكال على نفسه.
لا حاجة للدخول في التكهنات، ماذا لو تمّ الاستغناء عن الامتحانات الرسمية عموماً والشهادة المتوسطة تحديداً؟ فالتجربة المُرّة لا تزال ماثلة في أذهان معظم اللبنانيين يوم اتخذ القرار العام 2014 بمنح إفادات نجاح لطلاب شهادتي المتوسطة والثانوية العامة نتيجة مقاطعة هيئة التنسيق النقابية تصحيح الامتحانات لعدم إقرار السلسلة، فغَصّت الثانويات والجامعات بطلاب دون المستوى الاكاديمي المطلوب، وعَلت صرخة المَربّين والمسؤولين التربويين: «أعيدوا المصفاة لا بد من غربلة الطلاب… قَتَلتو المستوى»، وغيرها من المناشدات التي تجددت بالتزامن مع الحديث عن مناقشة اقتراح قانون إلغاء الامتحانات الرسمية في المتوسطة في جلسة مجلس الوزراء اليوم.
توقيت مشبوه
لماذا إثارة البلبلة قبل أسبوعين من الامتحانات؟ يعتبر رئيس رابطة التعليم الاساسي بهاء تدمري «انّ الأمر مشبوه»، موضحاً في حديث لـ«الجمهورية»: «منذ سنتين طُرح موضوع إلغاء الامتحانات الرسمية، وتَصدّت له الروابط التعليمية ووزارة التربية لأنه يُسيء إلى التعليم الرسمي من الروضة حتى الثانوية العامة. لذا، إنّ توقيت طرح الموضوع مشبوه على مشارف الامتحانات الرسمية، «هَلّق فاقوا؟».
ويتابع بنبرة غاضبة: «راجَعنا مركز البحوث والانماء، فاعتبر انّ المساس بالشهادة مؤامرة على قطاع التعليم العام في لبنان. راجعنا رئيسة دائرة الامتحانات في لبنان هيلدا خوري، فذكّرت وشدّدت على انّ الامتحانات في موعدها إبتداء من 30 أيار، لذا الاتجاه العام مع الشهادات. فإذا كان هناك قطبة مخفية تحت الطاولة لإقرار إلغاء الامتحانات وإلغاء الشهادات، فإننا لن نسكت على الموضوع».
مدارس «دكانة»
ويتوقف تدمري عند تداعيات إمكانية إلغاء الشهادة في المتوسطة، قائلاً: «أولاً بطريقة غير مباشرة هم يُشرّعون لنمو «الدكاكين» الخاصة كالفطريّات. ثانياً، يخرج التلميذ من مرحلة التعليم الاساسي من دون «بروفيه» ويتّجه إلى الثانويات، هل الثانويات بوسعها استيعاب هذا الكم من الطلاب؟».
ويضيف: «من مصلحة مَن الإساءة إلى مستوى التعليم الرسمي؟ هل المطلوب تفريغ القطاع من طلابه أو فرز الناس طبقيّاً في التعليم، الفقير يتجه إلى الرسمي فيما الغني إلى الخاص؟».
وأضاف: «كرابطة تعليم وهيئة تنسيق موقفنا واحد، على السياسيين أن يرفعوا أيديهم عن التعليم والصحة، من حق اللبناني أن يتعلّم ومن حقه أن يَتطبّب»، مؤكداً: «في ما لو اتّخذ قرار له علاقة بالمساس بالشهادة الرسمية سواء كانت في المتوسطة أو الثانوية العامة، فإننا سنتصدى للمسألة بصوت صارخ».
أوقفوا الإنحدار!
صرخة مدوّية يطلقها الأمين العام للمدارس الكاثوليكية الاب بطرس عازار، عبر «الجمهورية»: «يكفي الهبوط في مستوى إدارة الملف التربوي». ويوضِح: «تفاجأنا من عودة الحديث إلى إمكانية إلغاء الشهادة المتوسطة، مرة جديدة يتم التعاطي مع الملف التربوي بارتجال من دون التعاون مع المؤسسات المعنية في لبنان سواء نقابة المعلمين أو المدارس أو الجامعات أو المركز التربوي». ويضيف: «نأسف لرمي الافكار على طاولة مجلس الوزراء من دون درس أو مناقشة بين كافة مكونات القطاع التربوي».
وناشَد عازار المعنيين بضرورة «تحييد القطاع التربوي عن الصراعات السياسية وعن التجاذبات الفئوية». وقال: «سبق ورفضنا فكرة طرح إلغاء الشهادات ضمن اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة، فهناك قوانين ووظائف مرتبطة في الحصول عى شهادة «البريفه». كذلك نحن اليوم في صدد تعديل المناهج، فلماذا الإسراع في طرح مثل هذا الموضوع والمناهج لم تُقر بعد؟».
وأردف قائلاً: «يكفينا الهبوط الذي بلغته العملية التربوية هذه السنة، وعوضاً من التلهّي بهذا الموضوع على عتبة الامتحانات الرسمية، فلننشغِل في تأمين سلامة الامتحانات الرسمية وشفافيتها».
وفي وقت يعتبر البعض انّ في إلغاء الامتحانات الرسمية خدمة للتعليم الخاص، إستنكر عازار بشدة ما يتردد قائلاً: «أستغرب كيف يعتبر البعض ويُعمّم انّ إلغاء «البريفه» خدمة للقطاع الخاص، فنحن أكثر المدارس حرصاً على المستوى، ولا نقبل تسجيل أي طالب حتى لو نجح في الشهادة المتوسطة، دائماً ما نستند إلى علاماته المدرسية أيضاً لقبوله». ويضيف: «لا يمكن الاستغناء عن امتحانات «البريفه» إلّا بعد دراسة علمية تقييمية وعلى طاولة تربوية مشتركة».
ما البديل من الامتحانات؟
بعدما كانت السلسلة قد شرذمت مكوّنات الأسرة التربوية، وخلقت نزاعاً بين الاساتذة والإدارات، فإنّ فكرة إمكانية إلغاء الامتحانات الرسمية في المتوسطة قد رمّمت شيئاً ممّا تصدّع في العلاقة، إذ تتشارك الإدارات والاساتذة الحرص نفسه على مستوى هذه الإمتحانات.
في هذا السياق، يعرب نقيب المعلمين رودولف عبود عن أهمية هذه المحطة من مسيرة التلميذ، قائلاً في حديث لـ»الجمهورية»: «طبعاً نحن مع إبقاء الامتحانات، وأيّ بديل يمكن اعتماده في ما لو ألغيت؟».
ويضيف: «وسط كومة القضايا التربوية المطروحة لم ير المعنيون إلّا فكرة الامتحانات؟ نستغرب التوقيت الخاطئ لهذا الطرح فقد أثار الضياع والبلبلة في صفوف المرشحين للبريفه والاهالي».
ويذهب أبعد من ذلك، مشيراً إلى إحدى القضايا التربوية الملحّة وهي تشكيل مجالس تحكيمية، قائلاً: «وفق وزارة التربية، إنّ مرسوم تشكيل المجالس التحكيمية في المناطق التربوية للفصل في الصراع بين المدارس والاهالي نتيجة زيادة الاقساط والتخلّف عن توقيع الموازنات، بات في مجلس الوزراء، نستغرب انه لم يُدرج على جدول أعمال الجلسة، فيما يتلهّون بإلغاء شهادة البريفه، علماً انّ المجالس التحكيمية باتت ضرورة، وتحتاج إلى صدور مرسوم لتبصر النور وتبدأ عملها».
بصرف النظر عن المسار الذي ستأخذه جلسة اليوم، تنطلق الامتحانات الرسمية في مواعيدها التي حددتها وزارة التربية والتعليم العالي لهذه السنة، أي في 30 من الشهر الجاري مع تلامذة الشهادة المتوسطة.