على الرغم من أهمية الحدث وما يمكن ان يبنى عليه، فقد كان لافتا وعلى نحو بيّن تجاهل مجلس الوزراء في جلسته أول من أمس، برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، في القصر الجمهوري في بعبدا، ما حصل في جرود عرسال وأفضى الى خروج مسلحي «النصرة» وآلاف النازحين السوريين، مقابل استعادة «حزب الله» خمسة من أسراه لدى هذا التنظيم.. حيث لم تحضر عرسال في الجلسة سوى بتخصيص مبلغ 15 مليون دولار لتنفيذ مشاريع انمائية في البلدة، و15 مليون أخرى لبلدات في الجوار..
تجنب عديدون من الوزراء والقوى السياسية الحديث في هذه المسألة، وان لم يخفوا ما يمكن ان يحصل في جرود بلدتي القاع وراس بعلبك من تطورات، والجميع متفق على ان معركة الجرود «مكلفة وهي بحاجة الى قرار سياسي..» من غير التوقف عند امكانية الجيش اللبناني القيام بمهمة تحرير الجرود ومحيط البلدتين من مسلحي «داعش».
مضت جلسة مجلس الوزراء بجدول أعمال جاء مفاجئاً لعديدين، وقد خلا من البحث في المسائل الأمنية، التي لوح بها عديدون وفي طليعتها «الاستراتيجيا الدفاعية»، باعتبار أنها «الطريقة الوحيدة لجميع اللبنانيين على موقف موحد في مسألة سلاح «حزب الله».. لاسيما وان المخاوف، او الحذر، لايزال بعصم عديدين لجهة ان لبنان لايزال موضع متابعة أميركية، واحتمال تعرضه «لحصار سياسي واقتصادي كبير» احتمال وارد قد تتسع دائرته ليشمل العديد من دول العالم والدول العربية.. وبالتحديد الخليجية منها التي برأي عديدين لاتزال تشجع على اعتماد لبنان سياسة «الحياد الايجابي» وينأى بنفسه على المحاور الاقليمية..
لقد نجح رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الذي ترأس الجلسة، في دفع الأمور باتجاه آخر مختلف، ولم يعرف ما اذا كان ذلك بالتوافق مع رئيس الحكومة سعد الحريري أم لا.. حيث اعتمد الرئيس عون سياسة الابتعاد عن التطورات الساخنة على الارض. في مناطق الحدود الشرقية، وعاد الى اشعال فتيل الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها لبنان، وهو الذي – كما تردد على لسان غير زائر له، بات على قناعة بوجوب رد قانون سلسلة الرتب والرواتب كما قانون تمويله، بالنظر الى المخاطر الاقتصادية التي تهدد البلد، حيث تحدث بالأرقام لافتاً الى ان الوضع الاقتصادي في لبنان سيء للغاية، وقد يصبح أكثر سوءاً إن لم يتم تدارك المسألة، عبر انجاز خطة اقتصادية التي داعياً الى «ضرورة التقيد بالنصوص الدستورية التي ترعى الموازنة العامة، ولتقييم الملاحظات على السلسلة والضرائب بموضوعية ودقة، مركزاً على شموليتها ووحدتها.. داعياً الى تقييم الملاحظات التي نقلها اليه نقابيون ومسؤولون تربويون وقضائيون ومتقاعدون عسكريون حول السلسلة والضرائب بموضوعية ودقة..» لافتا الى ان «الوضع الاقتصادي سيء اذا لم توضع خطة اقتصادية مستعجلة.. وقد تسلم الوزراء تقريراً خلاصته أنه «في حال لم نبادر الى تصحيح الوضع فوراً فقد يغرق لبنان في دوامة تهدد الاستقرار العام..»؟!
هناك عديدون رأوا في الأرقام التي قدمها رئيس الجمهورية مبالغة ومرتجلة.. وقد ترافق ذلك مع نقاشات لم تخل من الحدة، خصوصاً مع وزير المال علي حسن خليل الذي لاحظ ان الدراسة التي قدمها الرئيس عون «تتضمن كثيراً من المغالطات وأرقامها غير دقيقة وفيها تناقض..؟!
لقد كان من الطبيعي ان يشعر عدد من الوزراء بخشية جادة وحقيقية من ان يكون وراء اكمة الارقام التي قدمتها دراسة الرئيس عون، ما وراءها لجهة الالتفاف على قانون سلسلة الرتب والرواتب الذي أقر في مجلس النواب أخيراً. وقد كان رئيس الجمهورية يشدد على أولوية اقرار الموازنة من قبل اقرار قانون تمويل السلسلة، وهي مسألة لاقت تأييداً من عديدين، لكن بعدما أقر مجلس النواب ما أقر..
الجميع ينتظر ما ستكون عليه التداعيات والمواقف، خصوصاً من الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري.. وقد وضع الجميع أياديهم في «مياه باردة» جراء ما حصل، وما يمكن ان يحصل في الجرود الشرقية، وبالتحديد القاع وراس بعلبك بعد الانتهاء من «النصرة» في جرود عرسال.. وقد أكد المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم «ان الدولة عازمة على تحرير جرود راس بعلبك والقاع، لتحريرها من المسلحين، كما فعلت في جرود عرسال.. ومع ذلك فإن اللافت في كل ما حصل، ان هنا من يرفض اعتبار ما حصل في جرود عرسال «انتصاراً للبنان..» بل هو وسيلة لاستعادة «حزب الله» أسراه الخمسة لدى «النصرة»..
المعلومات المؤكدة، تفيد ان العملية العسكرية في جرود القاع وراس بعلبك هي في يد قيادة الجيش، وان القرار السياسي في ذلك مأخوذ، وبامكان الجيش ان ينفذ العملية من دون مشاركة أي أحد.. خصوصاً وأن البحث في «الاسترايتجيا الدفاعية» قد يعود الى الطاولة يؤكد على ان «مهمة الجيش حماية لبنان، وهذا أمر أجمع عليه اللبنانيون..» بصرف النظر عما اذا كانت مسألة «سلاح حزب الله» ستكون حاضرة أم لا في أي جلسات حوارية مقبلة؟!