مصير العهد متعلّق بتنفيذ الدستور والقوانين والممارسات
حكومة او لا حكومة خلال ٧٢ ساعة
وبري يتعاون مع عون والحريري على حل المسألة
وقف المحامي الكبير هنيهة، ثم أردف: لبنان اليوم على مفترق طرق، اما يتجه الى التغيير الجذري، واما يبقى في رحاب الجمود، وفي اطار الرتابة.
الا ان الاستاذ غسان مخيبر خرج من البرلمان الجديد، ورد بعبارة قالها عمه الدكتور البير مخيبر قبل رحيله. ان الحياة وقفة مجد لا تتكرر كل يوم. ذلك ان الدكتور البير مخيبر دأب طوال حياته النيابية. على قول ما لا يفعله الآخرون: التغيير ارادة الاحرار، والرتابة عنوان الجمود.
بعد اقرار اتفاق الطائف في مطلع التسعينيات، طلب نائب المتن الشمالي الكلام في الجلسة النيابية الاولى، وسارع رئيس البرلمان نبيه بري الى اعطائه الكلام، فاذا به يطالب بانسحاب الجيش السوري من لبنان. كان الى جانبه النائب السابق عباس الهاشم، العضو على لائحة العونيين في بلاد جبيل، لكنه ظل رابط الجأش، قوي الشكيمة، الا انه لم تظهر منه اي ردة فعل تجاه ما اورده الدكتور البير مخيبر، الذي كان ينصح الناس بتناول حبة اسبرين لان لا احد يعرف مصيره.
الا ان النائب غسان مخيبر خسر مقعده النيابي ولم يخسر رأيه الحر، ولا كلامه الحر، ولا العنفوان الذي رافقه طوال ممارسته الحياة البرلمانية، صحيح انه خسر مقعده على لائحة التكتل العوني وحل مكانه في المنطقة الوزيران السابقان ميشال المر والياس ابو صعب، لكنه كان يتذكر ان المقعد الارثوذكسي في المتن الشمالي ظل يتداوله الزعيمان الارثوذكسيان، الدكتور البير مخيبر وميشال المر، وفي احدى المعارك، التقى الخصمان الارثوذكسيان في معركة واحدة، وعلى لائحتين متنافستين. لان كلا منهما كان يشعر بأهمية وجود البير مخيبر وميشال المر في المتن الشمالي كما في البرلمان اللبناني.
قد يكون الرئيس نبيه بري فوجئ بخطاب الدكتور البير مخيبر المرتجل لكن زعيم البرلمان، كان يؤمن بحق النائب في قول ما يريد، على رأس السطح، ذلك ان نبيه بري كان ولا يزال رائد الحرية النيابية في البرلمان اللبناني.
في حقبة التسعينيات زار الحزب القومي السوري رئيس البرلمان، وطلب منه النائب غسان الاشقر، نجل رئيس الحزب القومي اسد الاشقر، ان يسمي له مرشحاً شيعياً لينتخبه الحزب القومي، فرد رئيس المجلس النيابي بتسمية مرشح ماروني، فوجئ النائب غسان الاشقر بجوابه، وسارع الرئيس بري الى سؤاله: لقد طلبت مني نائباً شيعياً مقابل مرشح كاثوليكي تطلبه، فاعطيتكم اسماً مكان الاسم الاخر، اليس الاثنان نائبين لبنانيين، وان كان احدهما كاثوليكيا والثاني مارونيا، انهما لبنانيان.
هل عادت اللعبة السياسية تدور بين الطوائف، تساءل الرئيس بري واضاف: لقد اخترت مرشحة محجبة وزيرة في الحكومة التي تقوم بتصريف الاعمال بعد استقالتها وقمت بترشيحها على المقعد الشيعي في صور، انا لا يهمني ان كانت السيدة او المرشح محجباً ام علمانياً، يهمني فقط ان تستقيم اللعبة السياسية في نظام طائفي، وبعد ذلك يكون لكل حزب لون آخر.
الان طلعوا علينا، بقصة الكهرباء، هل للتيار الكهربائي لون طائفي، وهل اذا نقلوا باخرة تركية من اقصى الجنوب الى عمق كسروان تصبح الكهرباء ذات طابع شيعي او ذات لون ماروني، خلصنا من هذه الاراجيف، المهم ان يحصل الناس على التيار الكهربائي وبالاسعار التي تكون مقبولة في كل مكان.
بعد الجمود الذي فرض نفسه على ساحة التأليف الحكومي والجموح في تأويلات مسببات تعثر المخاض الحكومي، اعاد رئىس الحكومة المكلف سعد الحريري تحريك المياه الراكدة المستحكمة بعملية التأليف، ليزرع زخماً رئاسياً على خط بعبدا – بيت الوسط يطمئن الى احتمال بروز ولادة حكومية وتوافقية خلال ٧٢ ساعة مقبلة.
وفي حين حرص القصر الجمهوري على تعميم اجواء تفاؤلية ابداها الرئيس العماد ميشال عون، تسحب من جهة فتيل السباق الرئاسي من حلبة الصراع الحكومي، وتؤكد من جهة ثانية العزم الرئاسي على تفعيل قنوات التواصل الهادفة الى تسريع عملية التأليف. برز تشديد مواز عبرت عنه جهات متابعة للمشاورات، تبشر بايجاد مخارج للوضع الحكومي، تؤكد ان التسوية مستمرة، وان خطوط الاتصال غير مقطوعة وان شهر العسل بين الرئاسة الاولى ورئاسة الحكومة مستمر، وان كل ما يحكى غير ذلك هو كلام غير صحيح.
ويقال ان رئيس الحكومة اسمع الجنرال الايطالي ستيفانو، تأكيداً على التزامه الكامل بقرار مجلس الامن ١٧٠١ والمحافظة على الاستقرار في الجنوب، وان استمرار اليونيفيل امر مقدس، ولا احد يقبل بأي تعديل في مهماتها الاساسية.
في الاسبوع الماضي حدثت تطورات سريعة النتائج والاهواء، بعد عودة رئيس الحكومة المكلف تشكيل الوزارة الجديدة، فزار الرئيس نبيه بري وتناول العشاء مع رئيس تكتل لبنان القوي جبران باسيل في غمرة اتصالات ترمي الى بلورة مفاهيم جديدة لتشكيل الحكومة المجمدة، الا ان لا احد في عين التينة او في بيت الوسط صدرت عنه ايحاءات بأن ازمة التأليف سائرة نحو الحل، على الرغم من ان اوساطاً كثيرة وصفت ما حدث بأنه مجرد طبخة بحص.
الا ان التأليف ليس نزهة، في مهب الاحداث او ان الرئيس سعد الحريري قصد رئيس البرلمان، ليساعده على حل العقدة الدرزية مع حليفه وصديقه وليد جنبلاط او انه التقى سعد الحريري، بغرض حل المأزق المسيحي ذلك ان الرئيس الحريري يواجه مأزقين بغية الوصول الى حل للمشكلتين الدرزية والمارونية، صحيح ان سعد الحريري، عندما زار رئيس الجمهورية العماد عون، وجد عنده سلبية واضحة ضد الشرط الدرزي الذي يحصر الموافقة على دخوله الحكومة، بتخصيص المقاعد الوزارية الثلاثة للطائفة الدرزية اي للنواب الثلاثة الدروز في الحزب التقدمي الاشتراكي.
ومع ان الرئيس الحريري قد يوافق على هذا الامر، الا ان ثمة معارضة اساسية، لجعل فريق سياسي يحتكر التمثيل السياسي، وانه طلب او يطلب من الرئيس بري، ان يمون على صديقه وحليفه الوزير السابق وليد جنبلاط بأن يترك المقعد الدرزي الثالث في الحكومة لمرشح محايد، او قريب من الوزير وليد جنبلاط او ايجاد مخرج لهذه الازمة المعقدة، بعد بلوغ العقدة الدرزية اوجها، خصوصاً بعد تبادل زعيم المختارة، وقصر الامير مجيد ارسلان حدة غير معروفة سابقاً.
طبعاً، لا احد يمكنه الان ان يحدد جواب الرئيس بري على هذا الطلب، لكن رئيس الحكومة المكلف يتعاطف سياسياً مع صديقه وحليفه الوزير وليد جنبلاط، لكنه لا يتعاطف وزاريا معه، في ضوء معارضة رئيس الجمهورية لاحتكار اي طائفة الموقف السياسي في تركيبة الحكومة. وهذا ما يجعل مهمة بري صعبة، ويضع مطلب الرئيس سعد الحريري سهلاً، ورهناً لما تليه من شروط وشروط مضادة.. خصوصاً وان التكليف بات اصعب من التأليف، وان لكل فريق شروطاً ومطبات سياسية.
الا ان العقدة المارونية ليست اسهل من العقدة الدرزية، فاذا كان الرئيس العماد ميشال عون حريصاً على تفاهم معراب مع الدكتور سمير جعجع، فان الاحاديث الرئاسية تربط الشروط القواتية، بالحصول على كمية وزارية تفوق ما يشعر التيار الوطني الحر، بانه اكثر من الحصة الوزارية التي تتمسك بها.
بيد ان القصة اكبر من مقاعد وزارية، ومن الحصول على مقاعد وزارية سيادية، وتسري على رغبات القوات اللبنانية، في خوض الانتخابات الرئاسية، بعد ثلاث سنوات ونصف السنة، في ان يكون الدكتور سمير جعجع الخليفة المحتمل للرئيس ميشال عون في رئاسة الجمهورية، وان تسهيل التأليف اقرب الى الحل المتوقع، باعتبار ان كلاماً صريحاً صدر لصالح ترشيح الوزير جبران باسيل للرئاسة الاولى، وهذا الامر عقب عليه الرئيس عون بطريقة عابرة للمواقف، كانت اقرب الى المزاح منها الى الجدية، الا ان هذا لا ينفي معارضته التيار لاسناد حقيبة وزارة الخارجية والمغتربين او وزارة الدفاع لنائب من القوات اللبنانية خصوصاً وان الخارجية يتولاها الوزير باسيل في الحكومة المستقيلة، وان وزارة الدفاع مسندة الى الوزير يعقوب الصراف.
الا ان الثابت ان رئيس الجمهورية، عندما وصل الى الرئاسة الاولى، بالتفاهم مع الرئيس سعد الحريري، هو غير ما كان يضمرْ قبل عدة سنوات. والواضح حتى الآن، ان الرئيس عون مصمم على جعل رئاسة الجمهورية في ايامه، الطريق الى التصحيح السياسي، الذي حمل لواءه في العام ١٩٨٩، عندما اقدمت القوات السورية على اسقاطه عسكريا، وابعاده عن القصر الجمهوري، وابقائه في السفارة الفرنسية في الحازمية، الى حين التسوية التي قضت بنقله الى مارسيليا الفرنسية، ومن ثم الى لاهوت ميزون القريبة من باريس.
وفي ذلك الزمان، عندما كان العماد عون يتناول طعام الغداء مع ضيوفه، قال لصديقه الامير فاروق ابي اللمع الامين العام السابق لوزارة الخارجية والسفير اللبناني السابق في باريس: ان الاخطاء التي جعلته يعارض اتفاق الطائف، هي نفسها التي يكررها الآن وهي مجموعة ملاحظات على تنفيذ الطائف. وانه يكررها الان مجددا لان الاستمرار في الاخطاء، غير مسموح به، منه ضد رئيس المجلس، ومنه ضد رئيس الحكومة، وان سلامة الدستور من سلامة القوانين.
ويستدرك رئيس الجمهورية: لا انا اريد القوطبة على صلاحيات رئيس المجلس النيابي، ولا انا اريد القوطبة على صلاحيات رئيس الحكومة.
ويقول العماد عون لاصدقائه انه يريد لبنان قويا بسلامة دستوره، مثلما يريده اللبنانيون رئيسا قوياً في تنفيذ الدستور.
ويتساءل: هل القصة كلها، في التعمية على نصوص الدستور: عندما عارضت الطائف، فقد عارضته لان ثمة من كان يعمل على تزوير بعض بنوده. خصوصا عندما حمل الامير سعود الفيصل الاتفاق الى سوريا فقد ناصبه الرئيس حافظ الاسد العداء، وساعة دخل الرئيس صدام حسين الى الكويت، اصبح العالم مع الرئيس الاسد، في جعل كل محافظة مغايرة للمحافظة الاخرى في القانون الانتخابي، يومئذ جعلوا الشمال كله دائرة واحدة، ومن ثم جعلوا البقاع، عدة دوائر انتخابية، فماذا بقي من الطائف غير الاسم!
اضاف: انا لست ضد الطائف اساساً، وانا سمحت للنواب في المنطقة الشرقية بالذهاب الى السعودية، والا لما سهلت لهم الانتقال من بيروت الى الطائف.
كان النائب الراحل نسيب لحود، يقول ان الوجه الاخر المكمل لاتفاق الطائف هو توزيع السلطات وارساء قواعد الفصل والتعاون والتوازن من ضمن مبدأ جماعية السلطة، وعدم حصرها في صيغة افرادية.
كان نائب المتن الشمالي مصمما على خوض معركة رئاسة الجمهورية، لكنه كان يردد بان علينا ان نرى ادوار وصلاحيات كل من المواضيع الدستورية، بعقل هادىء وفكر متوازن.
ويضيف النائب الراحل نسيب لحود: يخطىء من يعتقد ان اتفاق الطائف افرغ رئاسة الجمهورية من صلاحياتها التنفيذية، فضلا عن ادارته الاستشارات الملزمة لتسمية رئيس مجلس الوزراء، وتوقيعه مرسوم التكليف، ومن ثم شراكته الفعلية في تشكيل الحكومة، وتعيين الوزراء، وتوقيع كل المراسيم التنفيذية. لقد اناط الدستور الجديد برئيس الجمهورية مهمة اساسية هي السهر على احترام الدستور، والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة اراضيه. اضافة الى اعتباره رئيساً للدولة ورمزاً لوحدة الوطن.
ويستطرد: ان هذا الامر يرتب على الرئيس الاضطلاع بقيم الجمهورية في الدولة، والدفاع عن القاعدة الحقوقية فيها بمراقبة انطباق مشاريع القوانين والمراسيم مع المبادىء الدستورية في الحفاظ على الصالح العام. وهي مهمة تجعل من مؤسسة الرئاسة عنصر جمع وتوحيد، وموقعها للدفاع عن الدستور والكيان ووحدة الوطن وان مجمل هذه الصلاحيات يؤهل رئيس الجمهورية ليكون ناظما لعمل المؤسسات والسلطات جميعا، ومنسقا لتعاونها وضامنا للفصل فيما بينها.
كان المهندس الراحل يقول في نص مكتوب ان السلطة هي الاساس في اي نظام ديمقراطي، برلماني، وكذلك السلطة التشريعية هي مصدر السلطات الاخرى، باعتبارها امتداداً لسلطة الشعب، وقد اناط اتفاق الطائف بها الصلاحيات المطلوبة. تأكيدا لمحوريتها في البناء الديمقراطي ولاقرار التعديلات الدستورية قام البرلمان بهيئته العامة ولجانه بنشاط تشريعي متنوع، وهو يعاني من تعطيل اعماله. بالترافق مع الازمة الحكومية والاعتصام المستمر في العاصمة وان ابرز الدروس من هذه الازمة هي انكباب المجلس على عقد اجتماعات لتفسير مواد، كما هو حاصل في ما يتعلق بالمادة ٤٩.
ويقول النائب الجديد جورج عطاالله، ان منطقة الكورة التي ينتمي اليها اعطته ثقتها لانه اختار اساسا التيار الوطني الحر، طريقا الى وحدة لبنانية متماسكة، عبَّر عنها طول حقبات رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، ويعبر عنها ايضا رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل.
ويستطرد: ان الكورة اعطت من ايام الرئيس فؤاد شهاب رجالات عبروا عن رفضهم للفساد، وامتعاضهم من الالتواءات المضنية للحضارة الانسانية في مجمل العهود.
ويتابع: ان الكورة قد خذلت في الاسابيع الاخيرة، معظم الذين حاولوا ان يبعثوا في الافاق، اخطاء سياسية درجوا على ممارستها، ولن تسمح الكورة بعد الان، لمن حاولوا تزوير نهجها، ان يكرروا الاخطاء بعد اندحارها.
وفي رأي النائب جورج عطاالله ان العماد ميشال عون، وهو رئيس قوي لن يسمح لقوى التأخير ان تعرقل مسيرة التغيير في منطقة الت على نفسها، ان يسلك ابناؤها طريق الحرية في معظم الازمات السابقة.