IMLebanon

مصير الحكومة على محك الرئاسة

كان من الضروري أن يتحرّك وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي على خط الرياض – طهران للعمل على التخفيف من التشنّج، لا بل العداء، الحاصل بين السعودية وإيران والذي فاقمته التطورات الحربية حول حلب في سوريا.

بات معروفاً أنّ سلطنة عمان اضطلعت بهذا الدور، ولو بعيداً من الإعلام، طوال السنوات الماضية، وهي إن كانت قد عجزت عن تحقيق إنجازات كبرى في هذا الشأن، إلّا أنها تمكنت في غالب الأحيان من تدوير الزوايا وتخفيف نسبة الاحتقان والتشنّج. وتردّد أنّ بن علوي الذي زار طهران أخيراً بحث في الوضع الخليجي وصولاً الى النزاع الدائر في سوريا وتثبيت وقف إطلاق النار مقدمة لإعادة إحياء المفاوضات.

وبدت الأوساط الديبلوماسية المعنية بالملف السوري واثقة من وجود قرار دولي حازم بتحقيق وقف لإطلاق النار ثابت وحقيقي في سوريا. لكنّ هذا القرار ما يزال في حاجة لبعض الوقت حدّده أحد الخبراء ببضعة أسابيع، ذلك أنّ المشكلة تتعلق بتحديد الفصائل والتنظيمات التي سيشملها وقف إطلاق النار وعلى أساس أنها غير إرهابية، ما يعني ضمناً حجز مقعد لها ضمن الفريق المفاوض والذي سيمثل المعارضة.

بضعىة أسابيع ستكون كافية لإنجاز ترتيبات ميدانية سريعة يريدها النظام السوري في بعض المناطق. أما في حلب فإنّ الحصار أُنجز أو يكاد، ما يعني أنّ شطب حلب من المعادلات الميدانية لم يعد بعيداً.

صحيح أنّ المجموعات الموجودة داخل حلب نجحت في استقدام كثير من المواد الغذائية والأسلحة والذخائر قبل قطع طرق الإمداد ما سيمكنها من الصمود بعض الوقت، لكن في العلم العسكري المناطق التي تدخل تحت وطأة الحصار تُعتبر ساقطة عسكرياً.

وفي الملاحظات السريعة حول واقع حلب تبرز النقاط الآتية:

1 – أعزاز ما تزال بيد المجموعات الموالية لتركيا لكنها فقدت وظيفتها بربط تركيا مع حلب بعد إقفال الطرق المتفرّعة منها.

2 – إنتشار الأكراد على طول الحدود مع تركيا باستثناء شريط بطول مئة كلم ما يزال بيد المجموعات الموالية لتركيا.

3 – عدم اعتراض واشنطن على التمدّد الجديد للأكراد، لا بل سُجّل إلقاء عتاد حربي وذخائر من طائرات أميركية للأكراد.

4 – اهتزاز الاستقرار الأمني داخل تركيا وفي اسطنبول في رسالة أمنية فهمت بأنها تحذيرية بعدم التحرّك عسكرياً في العمق السوري، مع الإشارة الى النزاع الكبير الحاصل داخل أروقة الحكم في تركيا بين الحكومة والعسكريين الكبار.

5 – البعض فسّر البرودة الأوروبية والأميركية حيال دعم تركيا بمثابة ردّ الرِجل على قيام تركيا بفتح الممرات لتدفّق اللاجئين السوريين الى أوروبا.

6 – تراهن أنقرة على تفاهم لاحق مع واشنطن يؤدي الى السماح بضرب الأكراد، لكنّ القيادة العسكرية الروسية فتحت خطوط تعاون في العمق مع الأكراد في إشارة الى عدم تخلّيها عنهم لاحقاً.

لكنّ هذا الواقع المحتقن في حلب زاد من حدة المواجهة السعودية ـ الإيرانية والتي شملت الساحة اللبنانية. صحيح أنّ أهمية معركة حلب أكبر بكثير من الساحة اللبنانية والتي تُعتبر تفصيلاً وضمن هذا النزاع الكبير لكنّ أبواب المواجهة أصبحت مفتوحة.

فالسعودية التي كانت تتابع بقلق الانهيارات التي كانت تطاول الفريق المحسوب عليها في لبنان وحالات التمرّد كانت تحضّر لخطوات تترجم استياءَها من حلفائها خصوصاً حيال تقاعسهم عن مواجهة حزب الله.

وجاء التوقيت مع موقف رئيس الحكومة تمام سلام في برنامج «كلام الناس» فأعلنت عن أولى خطواتها في بيانٍ قاسي اللهجة ووجهت اتهامها المباشر للحكومة ولوزير الخارجية.

وجاءت خطوة الوزير أشرف ريفي بالاستقالة من الحكومة لتزيد الوضع تعقيداً. فمن جهة قطع الطريق على الرئيس سعد الحريري وزايد عليه في بيانه، ومن جهة أخرى رفع سقف الخطاب الداخلي في وجه حزب الله. وريفي الذي ظهرت صوره في الآونة الأخيرة وعليها عبارة «زعيم السنّة» كان قد غاب عن استقبال الحريري في طرابلس بعدما غابت صورة الحريري من أمام منزله منذ أكثر من شهرين.

لكنّ اللافت كان تزامن خطوة ريفي مع استعادة رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع خطاب انتقاد الحريري بعد أن بدا مستوعباً لـ«لطشة» البيال وناعماً جداً في ردة فعله. وهذا ما طرح علامة استفهام حيال ما إذا كان هنالك من بصماتٍ للتناقضات الداخلية السعودية من جديد.

الواضح أنّ الحكومة باتت بأسرها محشورة، وأنّ الرئيس تمام سلام في وضع صعب. فهذه الحكومة غير قادرة على استصدار بيان يؤازر السعودية إلّا إذا قرّر حزب الله ذلك، وهذه فرضية شبه مستحيلة. كما أنّ أيّ سقف أدنى من ذلك سيكون بمثابة الإقرار بالخسارة حتى داخل الشارع السنّي في لبنان.

من هنا بدا للجميع أنّ الحكومة أضحت على قاب قوسين من الرحيل وأنّ هذا الامر قد يكون مفيداً للهروب من الاستحقاقات المطروحة بدءاً من التعيينات ووصولاً الى الانتخابات البلدية وغيرها. لا بل إنّ البعض يعتقد أنه يمكن تثمير هذه الخطوة في إطار الضغط لإنجاز الاستحقاق الرئاسي الذي بدت أبوابه مقفلة كلياً.

فخلال اللقاء الأخير للوزير سليمان فرنجية بالرئيس سعد الحريري طرح الأخير فكرة حضور فرنجية جلسة الثاني من آذار كمرشح لا يجب أن يغيب عن هذه الجلسة.

فرنجية قال من جهته إنّ الفكرة قابلة للبحث مع حلفائه، وهو يعني بذلك حزب الله، وعلى أساس أن يحضر هو كمرشح، ولكن من دون أعضاء كتلته، ولكنه أضاف أنه لن يُقدم على أيّ خطوة من دون التنسيق معه.

لكنّ التواصل اللاحق بين فرنجية وقيادة الحزب أفضى الى أنّ الحزب لا يؤيّد هذه الفكرة. وبذلك بدا مصير الجلسة المقبلة والمخصصة لانتخاب رئيس للجمهورية كمصير سابقاتها.

ومن هنا اقتراح البعض بأنّ الذهاب الى الفوضى الكاملة قد يلزم العواصم الغربية ولا سيما منها واشنطن بالتدخل بفعالية أكبر بغية إنجاز التسوية اللبنانية، طالما أنّ انهيار الوضع اللبناني خطّ أحمر.

لكنّ الغريب هو أنّ الخطوة السعودية خضعت لتقويمين متناقضين:

الأول، إعتبار التصعيد السعودي بهدف الانسحاب من الساحة اللبنانية تنفيذاً لتفاهماتٍ ما حصلت في الكواليس وتقضي بقبول السعودية مبادلة لبنان بحلب. أي الانسحاب من لبنان في مقابل إعطائها حلب، ولاحقاً حصة أكبر في «كعكة» التسوية السعودية. ويُقال إنّ ثمة قوى لبنانية مقتنعة بذلك ومن هذه القوى حزب مسيحي.

والثاني، وضع التصعيد السعودي في سياق المواجهة العنيفة مع إيران والضغط على الساحة اللبنانية لانتزاع ورقة الرئاسة من يد «حزب الله»، أو بتعبير أوضح، إلزام الحزب بالدخول في تسوية كاملة حول الملف الرئاسي. وقد يكون الحزب من أنصار هذا الاحتمال.

وكان لافتاً موقف وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي اعتبر أنّ التصعيد السعودي هو في إطار المواجهة الكبرى وليس تحضيراً للانسحاب من لبنان.

وفي المحصّلة إنّ الأسابيع المقبلة ستكون حامية وعنيفة في موازاة الحماوة والعنف الميداني في حلب، ولو أنّ الجميع يلعب على حافة الهاوية ويخلط ما بين العناوين الكبرى والحسابات الضيّقة التي تطاول الزواريب.