يَعتقد كثيرون أنّ مستقبل الأوضاع في لبنان والمنطقة مرهون بما سيؤول إليه مصير الاتفاقات الإقليمية والدولية التي سبَقت القمّة العربية، وأدّت إلى خروجها بمواقف هادئة ومرِنة، أُريدَ منها إفساحُ المجال للمساعي الديبلوماسية الجارية لإعادة تطبيع العلاقات بين دول الخليج وإيران وفتح الآفاق لإيجاد حلول للأزمات الإقليمية.
ويؤكّد بعض الذين اطّلعوا على أجواء القمّة العربية والأسباب التي أملت خروجَها بهذه القرارات الهادئة، وخصوصاً على مستوى الموقف من إيران، أنّ اتّفاقاً حصَل قبَيل القمة بين الولايات المتحدة الاميركية ودول الخليج العربي يقضي بإفساح المجال للوساطتين العمانية والكويتية الجاريتَين مع إيران علّهما توجدان حلّاً سياسياً وديبلوماسياً للأزمة بين الجانبين، وفي حال لم تنجَحا يمكن اللجوء الى خيار المواجهة العسكرية مع إيران.
ويقال إنّ الاميركيين هم من أرادوا تغليبَ الحلول السياسية مع إيران لأنّ الخيارات العسكرية مكلِفة وتتطلب ظروفاً معيّنة، خصوصاً في ضوء الأزمات المعقّدة التي تعيشها المنطقة وما تنطوي عليه من أبعاد وتدخّلات إقليمية ودولية.
وفي انتظار ما ستؤول اليه الوساطتان الكويتية والعمانية لا يتوقع ان يحصل اتّفاق على قانون الانتخاب العتيد في هذه العجالة، على رغم تفاؤل بعضِ المرجعيات والجهات السياسية والمهتمّة التي تذهب الى حدّ الجزم بأنّ القانون الانتخابي سيولد قبل نهاية ولاية المجلس النيابي في 20 حزيران المقبل ويُصار بعده الى تمديد تقنيّ لولاية المجلس حتى الخريف المقبل أو ربيع سنة 2018.
علماً انّ في حسابات البعض انّ ما هو عليه الوضع السياسي الداخلي الآن شيء وما سيؤول اليه هو والوضع العام في المنطقة بعد تبلوُرِ مصير مقرّرات القمة العربية المعلن منها وغير المعلن شيء آخر.
ويقول البعض إنّ في الشقّ الداخلي من النزاع على قانون الانتخاب تَبرز تباينات جدّية بين الأفرقاء السياسيين المعنيين، ما يفرض ضرورةَ إنتاج تسوية فعلية حول هذا القانون تنهي هذه التباينات، خصوصاً أنّ النزاع القائم حول «القانون» منشَأه اتّهامات متبادلة بين هؤلاء الأفرقاء بالاستحواذ على الاكثرية النيابية عبر فرضِ صيغٍ لقانون الانتخاب تمكّن هذا الفريق أو ذاك من الوصول الى هذه الاكثرية، سواء عبر النظام النسبي او المختلط بين النسبي والاكثري او الاكثري كلياً أو غيره.
فخصوم حزب الله يتّهمونه بأنه يضمِر من خلال تمسّكِه بقانون انتخاب يعتمد النظام النسبي كلّياً على اساس لبنان دائرة واحدة او مجموعة دوائر كبرى او متوسطة، الاستحواذَ على كتلة نيابية تضمّ نوّاباً من كلّ الطوائف الإسلامية والمسيحية، بحيث انّ هذه الكتلة توفّر له حصانةً وطنية وتُمكّنه من الإمساك بشرعية البلد في حال حصول ايّ تطوّرات في لبنان والمنطقة مستقبلاً يمكن أن تستهدف وجوده بنحوٍ أو آخر، فضلاً عن انّ هذه الكتلة المتنوّعة طائفياً تُمكّنه من الإمساك بكلّ الاستحقاقات المقبلة في البلد.
وكذلك فإنّ خصوم «الحزب» يعتبرون انّ النسبية تُمكّنه ومن خلال اكثرية نيابية متنوّعة من الإتيان برئيس الجمهورية الذي سيَخلف الرئيس ميشال عون في الرئاسة، ولذلك يعارضون هذه النسبية ويطرحون الصيَغ الاكثرية والمختلطة خوفاً من الوصول مع الحزب إلى هذا الواقع.
لكنّ حزب الله يعتبر انّ اعتماد النظام النسبي من شأنه ان يحقّق «عدالة التمثيل وشموليتَه لشتّى أبناء الشعب اللبناني» في مجلس النواب، وهو ما يقضي به «اتّفاق الطائف». ويؤكّد المطّلعون على موقف «الحزب» انّه لا يضمِر ايّ هدف آخر غير هذه «العدالة التمثيلية»، وإنْ كان لا يرى في بعض المرشّحين لرئاسة الجمهورية الظاهرين والمستترين ما يُطَمئنه، بل يرى انّ بعضهم «مقلِق جدّاً» له، لِما لهذا المرشّح أو ذاك من علاقات داخلية وخارجية تنطوي على التباسات، وتطرح علامات استفهام كثيرة.
ولذلك يرى فريق من السياسيين أنّ الافتراق أو الاختلاف حول قانون الانتخاب العتيد هو المفصَل الأساسي، فالبعض يريد من هذه القانون فرضَ غلبةِ الاكثرية بالخيارات السياسية من خلال المجلس النيابي، والبعض الآخر يريد منه فرضَ الغلبةِ بخيارات التعطيل، وبمعنى اوضَح هناك فريق يسعى الى تحقيق «غلبة أكثرية» وفريق آخر يسعى الى «غلبة تعطيل».
ولذلك فإنّ منطق التسويات بين هذين الفريقين لا يعرف أحدٌ بعد كيف سيرسو، فإذا كانت القوى الاقليمية توافقَت وضغَطت في مرحلة ما وأنتجَت الاتفاق على إنجاز الاستحقاق الرئاسي بانتخاب عون، فإنّ القوة الداخلية لهذا الفريق او ذاك ليس معروفاً بعد ما إذا كانت ستنتج التسوية في قضايا مثل قانون الانتخاب وغيره.
فإذا حاول حزب الله على سبيل المثال ان يرشّحَ مستقبلاً أيّ شخصية لرئاسة الجمهورية لا تَحظى بتأييد مسيحي كبير كترشيحه لعون، فإنّ «التيار الوطني الحر» وحزب «القوات اللبنانية» مثلاً، سيتصدّيان للأمر ويعارضان انتخابَ مرشّح بهذه المواصفات، لأنهما يعتبران انّهما يمثّلان الاكثرية المسيحية التي من حقّها ان يكون الرئيس منها.
ولذلك من المنتظر ان يَطول النقاش في قانون الانتخاب على وقعِ الوساطات الجارية لتطبيع العلاقات الخليجية ـ الايرانية عموماً والسعودية ـ الايرانية خصوصاً، والبعض يقول إنّ ما سيؤول اليه هذا النقاش سيكون مؤشّراً إلى ما تكون قد وصلت اليه تلك الوساطات سلباً أو إيجاباً.