قبل أسبوع من عودة حزب الله – المستقبل إلى الطاولة
مصير «الستاتيكو اللبناني» مرتبط بالرياح الآتية من «البوابة السورية»
من الخطأ الإعتقاد أن الحدث الدامي الممتد من أرض اليمن الى تخوم اللاذقية السورية، مروراً بالجبهات الساخنة في الأنبار، قابل للتوقف في الأشهر أو الأسابيع المقبلة، بل هو على العكس من ذلك آخذ بالإزدياد، في محاولة لرسم خارطة النفود الاستراتيجي إقليمياً بين المملكة العربية السعودية وإيران، ودولياً بين زيادة النفوذ الأميركي في عصر الرئيس الأميركي باراك أوبام، على حساب تراجع النفوذ الروسي، بعد اضمحلال النفوذ الأوروبي، وانهماك التنين الصيني، في الوقوف على خواطر شركائه في منظمة التجارة العالمية لتصدير منتوجاته، وعدم إغراق النمو السكاني المتزايد لديه في أزمات العمل والغذاء وما شاكل.
من هذه الزاوية، يصبح الكلام عن جبهة مشتعلة بحدّ ذاتها أمراً بلا معنى، فالجبهات من المفيد للمتصارعين أو لأحدهم على الأقل، فتحها معاً، وليس تسهيل الحرب على إحداها، وترك الجبهات الأخرى باردة..
قد يكون المحور الذي تقوده إيران أخطأ عندما اعتبر أن «عاصفة الحزم» توقفت، ومن المرجّح أن يكون خطأهُ بلغ مدى خطيراً عندما نظر إلى البيان السعودي بوقف عمليات «عاصفة الحزم»، لا سيّما الطيران والغارات الجوية على أنه «هزيمة للمملكة»، والذي عبّر عنه صراحة نائب الأمين العام لحزب الله..
فقواعد الحروب المعاصرة، لم تعد العمليات البرية أو إنهاء الخصم أو العدو بإبادته هي المعمول بها. إتخذت الحرب عناوين ومسارات مختلفة، بدءاً من «الصدمة» أو «الهزيمة المعنوية»، وصولاً الى تشكّل إنقسامات في البلد المستهدف بالحرب، وسوى ذلك من أهداف، يعرفها أكثر المخططين والمحللين العسكريين..
وخلافاً لكل التوقعات، اشتدت وطأة «الإنفجار العسكري» في المنطقة:
1- فعادت المعارك في الأنبار والرمادي إلى الواجهة، وأراد الأميركي أن يبعث برسالة لحكومة حيدر العبادي، أن الكلمة الأقوى في بلاد الرافدين ليس للحرس الثوري الإيراني أو للجنرال قاسم سليماني، الذي يعرفه الأميركيون جيداً على أرض الحرب الاستخباراتية أو العمليات ضد مواقعهم البرية قبل الانسحاب في العام 2011.
2- وفي سوريا، المسألة تبدو أكثر حدّة، فهي في تجدّد المعارك، وسقوط جسر الشغور الذي يعجّل بتحويل اللاذقية على الساحل السوري إلى أرض معركة ، وهي، بما ترمز إليه، تعني إحدى أهم مناطق النظام السوري، الآمنة، والداعمة لحكم آل الأسد للأسباب الواقعية والتاريخية المعروفة..
تحمل أكثر من رسالة ومعنى:
1- وضع نظام الأسد على طاولة المفاوضات التي بدأت قبل حرب اليمن وأثناءها وبعدها، من زاوية أن ثمة شبه بين ما يجري في اليمن في ما خصّ سلطة منصور عبد ربّه هادي الرئيس اليمني، وسلطة بشار الأسد، الرئيس السوري.. فذهاب عبد ربّه يعني وجوب ذهاب الأسد، (وهي الإشارة الواضحة التي صدرت عن الرئيس سعد الحريري بعد لقاء نائب الرئيس الأميركي جو بايدن في البيت الأبيض يوم الجمعة الماضي)..
2- إشغال حزب الله بجبهة سوريا لصرف النظر عن إشغاله بجبهة اليمن، على المستويات المعروفة لتدخله أو دعمه لجماعة الحوثي وحليفه الرئيس الأسبق علي عبد صالح.
وما يعزّز هذه الوجهة، إنفجار الموقف على جبهة القلمون من الجهة الغربية بين النظام في سوريا وجبهة «النصرة» ولواء أحرار الشام من جهة أخرى، في محاولة لفرض معادلة تضعف قدرة الحزب وتشتّتها على كل جبهات القتال الدائرة في المنطقة العربية، والتي يلعب فيها الحزب دوراً قيادياً، سواء في الميدان الحربي أو الميدان السياسي.
في تقدير قيادة حزب الله أن الحرب الدائرة في اليمن اليوم، هي أبعد من الحدود سواء في صنعاء العاصمة أو عدن عاصمة الجنوب، بل هي حرب عربية – إيرانية شاملة، تنتشر على طول المساحات والساحات المشتعلة، في اشتباك، اتخذ طابعاً جديداً، تخطى ما هو طافٍ على السطح في «الحروب الساخنة أو الفاترة» التي مضت..
خرج حزب الله من الموقف الرمادي، واقتربت المملكة العربية السعودية وإيران أكثر فأكثر من المواجهة المكشوفة، سياسياً ودبلوماسياً، وسط خشية متزايدة من الإقتراب من خط النار، الجاري الآن بالواسطة، والذي من الممكن أن يتحوّل إلى سخونة نارية، في البحر أو الجو على ما يرجّح متابعون..
ليس منع الطائرة الإيرانية التي تقول إيران أنها تنقل مساعدات طبية وإنسانية إلى جرحى الحرب اليمنية من الهبوط في مطار صنعاء حدثاً عابراً، ولا حتى استدعاء القائم بالأعمال السعودي في طهران للإحتجاج هو الآخر كان يمكن أن يحصل لولا وجهة الاشتباك المتصاعد بين العاصمتين الإقليميتين الكبيرتين..
ومما لا ريب فيه أن استدعاء الحرس الوطني السعودي إلى الحدود الجنوبية مع اليمن يعني أن مرحلة جديدة من الحرب مقبلة سواء داخل اليمن نفسها أو عند نقاط الحدود الطويلة بين السعودية واليمن..
وفي تقدير أوساط على اطلاع دقيق على ما يجري فإن معركة اليمن لم تنتهِ، والمسألة هي أبعد بالتأكيد من أن تكون ضغوطات لتحسين شروط التفاوض..
لم يحن الوقت بعد للذهاب الى توقع مفاوضات تجري لإعادة ترتيبات وضع المنطقة من باب المندب إلى شواطئ المتوسط السورية واللبنانية. الكلمة الآن، على الرغم من الحِراك السياسي والدبلوماسي ما تزال للطائرة والبارجة والمدفع والرشاشات الفردية والمتوسطة..
لم تتأثر الساحة اللبنانية الداخلية بالإعلان عن انتهاء «عاصفة الحزم»، والتوجه إلى «عاصفة الأمل». فالإشتباك الكلامي ما يزال قائماً بين حزب الله وتيار المستقبل، وإن بردت اللغة المستخدمة في هذا الإشتباك بعض الشيء، في ظل دعوة السفير السعودي في بيروت علي عواض عسيري إلى التهدئة وتنفيس الإحتقان والإبتعاد عن الفتنة، بل درئها..
قبل أسبوع من استئناف الحوار الذي يتمسك به المستقبل و«حزب الله»، بدت الساحة الداخلية مرهقة بأعباء الخلافات، وسط استحقاقات سيحملها الشهر المقبل، ومن شأنها أن تزيد الأمور تعقيداً في ظل عدم بروز أفق لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، وهو الموضوع الذي استأثر بجزء غير يسير من لقاء بايدن – الحريري، وسيكون العنوان الأول اليوم بين الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند والبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في الإليزيه..
على الجبهة الشرقية يقف الجيش اللبناني بالمرصاد للمسلحين الراغبين في التقدُّم باتجاه الأراضي اللبنانية، وفي الداخل يحضّر النائب ميشال عون نفسه لمواجهة إستحقاق التمديد للعماد جان قهوجي، واحتمال عدم دعم حلفائه له في هذه المعركة المصيرية بالنسبة إليه..
«الستاتيكو» الذي منع انتخاب رئيس حتى اليوم، موضع إعادة نظر، والكل يترقّب ويتحسّب، ولكن هذه المرة من البوابة السورية؟!