Site icon IMLebanon

لواء «الفاطميون» يغادر سوريا إلى إيران لمواجهة أميركا

 

ليس معروفاً من هو المخادع حقاً في لعبة الحرب بين طهران وواشنطن، المهم فيها أن إيران تكشف عن وجهها الحقيقي عبر عملائها الذين درّبتهم وأطعمتهم ثم قذفت بهم إلى النيران. ما إن قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب إن الحرب ستكون «النهاية الرسمية لإيران» حتى هبّ قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» يحث قادة الميليشيات المدعومة من إيران في مناطق الشرق الأوسط «للتحضير للحرب بالوكالة». بين هؤلاء مَن هو في بلده مثل «حزب الله» في لبنان، و«الحشد الشعبي» في العراق، لكن بين الميليشيات التي حاربت في سوريا تحت لواء إيران كان لواء «الفاطميون» الذي يتكون مقاتلوه من الهزارة الأفغان. وكان قد لوحظ أن هذا اللواء غادر سوريا، مما يعني أن طهران تتوقع نوعاً مختلفاً تماماً من الحرب. الهزارة الأفغان ينتمون إلى الأقلية الشيعية في أفغانستان وهم يشكّلون الجزء الأكبر من قوات لواء «الفاطميون». وفي قتالهم في سوريا تجاوزوا وزنهم كثيراً. وفي حين أن معظم التركيز على تداعيات الحرب السورية كان على المخاطر التي يشكلها مقاتلو «داعش» لدى عودتهم إلى بلدانهم، تم التغاضي عن الآثار المترتبة على الآلاف من وكلاء إيران الذين يتركون الجبهة السورية عائدين إلى بلدانهم.

تختلف التقديرات حول عدد مقاتلي لواء «الفاطميون» الموجودين في سوريا والذين قاتلوا دفاعاً عن نظام بشار الأسد. أحمد شجاع جمال، أحد الباحثين الأفغان، أشار إلى أن العدد وصل إلى 50 ألفاً. أغلبهم وقّع عن طيب خاطر، جذبته رواتب عالية نسبياً، ووعود بالجنسية أو الإقامة في إيران لدى عودته من سوريا، كما تم الضغط على البعض للتطوع بعد وقوعهم في أزمات اقتصادية صعبة أدت بهم إلى مشكلات مع القانون. ذكر جمال أن المئات إن لم يكن الآلاف عادوا إلى إيران خلال السنتين الماضيتين. فهل سيشكل هؤلاء تهديداً حقيقياً للأمن في المنطقة، أو للمصالح الأميركية؟ هذا ما تجب مراقبته، خصوصاً أن الحديث عن الحرب بالوكالة يتصاعد في إيران.

يروي مصدر إيراني أنه خلال الأشهر الثلاثة الماضية تدفق مئات المقاتلين المنتمين إلى الميليشيات الإيرانية وتعمل بالوكالة في العراق وسوريا ولبنان، إلى إيران استجابةً لطلب قاسم سليماني المساعدة في الإغاثة من الفيضانات.

بدأت الفيضانات الهائلة في شهر مارس (آذار) الماضي وقادت إلى إهدار مساحات شاسعة في 25 محافظة من أصل 31 في إيران، وتسببت في خسائر تقدَّر بنحو 2.5 مليار دولار. كان مقاتلو «الحشد الشعبي» العراقي من أوائل الذين استجابوا لطلب المساعدة وسرعان ما تبعهم مقاتلو لواء «الفاطميون». بعد ذلك عرض لواء «الفاطميون» على صفحاته الاجتماعية «بفخر» صوراً للواء الأفغاني وهو يقدم مساعدات الإغاثة وإعادة الإعمار في لوريستان، غرب إيران. كان الأمر مختلفاً تماماً عن نوع المواد التي كانت تروّج لها هذه الميليشيا عبر الإنترنت في السابق، مثل صور قتلاها وإشادتها بتضحياتهم في سوريا. وكان الإيرانيون يُبدون إعجابهم بتلك المواد في ذروة تورط إيران في الحرب السورية. وكان الآلاف منهم يتجمعون لإحياء ذكرى مقاتلي الهزارة الأفغان الذين قُتلوا «في ساحة المعركة». على عكس معاملة موسكو للمرتزقة الروس في سوريا والتي كانت جثثهم تعاد سراً إلى ذويهم لدفنها بهدوء. وانتشرت في طهران أضرحة مقاتلي لواء «الفاطميون».

لكن بعيداً عن إثارة الثناء لدى الرأي العام الإيراني، فإن التدفق المستمر للميليشيات الإيرانية بالوكالة في عمق إيران في أسابيع الفيضانات، أثار ردود فعل عنيفة. يشعر البعض بالقلق من أن عودة الوكلاء الإيرانيين إلى الجبهة الداخلية قد تكون إشارة إلى عدم الارتياح في إيران بشأن الاحتمال المتزايد لتغيير النظام.

يتصاعد التوتر السياسي بين المتشددين المؤيدين للنظام العازمين على تحدي الولايات المتحدة وبين الرأي العام الإيراني الموضوع تحت ضغط «حروب الثقافة المحلية» التي لا تنتهي، حيث يحاول رجال الدين المحافظون الحد من أي نفوذ غربي أو قطعه تماماً في ظل فرض عقوبات اقتصادية هي الأشد على الإطلاق.

اتخذ الإيرانيون في المناطق المتضررة من الفيضانات، والمثقفون المنشقون، من وسائل التواصل الاجتماعي وسيلةً للتنفيس عن إحباطاتهم. ثم إنهم يشكّون في أن دعوة السلطات إلى تعزيزات من وكلاء الخارج إنما تهدف إلى تهدئة الاضطرابات المحتملة في إيران بسبب عدم استجابة الحكومة للأزمات المتصاعدة والمتعددة.

من جهة أخرى، أثارت عودة قسم من مقاتلي لواء «الفاطميون» إلى أفغانستان مخاوف بشأن الدور الذي قد يلعبونه إذا ما وقّعت الولايات المتحدة صفقة مع «طالبان» أدت إلى سحب المزيد من القوات الأميركية.

لا يتفق أصحاب القرار في أفغانستان من رسميين وغيرهم على ما إذا كانت عودة هؤلاء جيدة أم سيئة. فمن ناحية قامت قوات الأمن الأفغانية بمطاردة مقاتلي لواء «الفاطميون» السابقين مدفوعين بمخاوف من احتمال أن يكونوا مصدراً آخر لعدم الاستقرار. ومن ناحية أخرى فإن النخب الشيعية الأفغانية خارج الحكومة التي تتطلع للدفاع عن مصالحها ترى أنه من المفيد وجود قدامى المحاربين المتشددين لمحاربة «طالبان» و«داعش» والفصائل السنّية المتطرفة في المرحلة المقبلة من حرب أفغانستان التي لا تنتهي.

يروي محدثي قضية محمد محقق، من الهزارة والذي قاد رجاله ذات يوم ضد السوفيات، وهو الآن مرشح لمنصب نائب الرئيس إلى جانب مرشح الرئاسة ووزير الداخلية السابق حنيف أتمار ضد الرئيس أشرف غني في الانتخابات المقررة في سبتمبر (أيلول) المقبل. محقق يريد ترك مقاتلي لواء «الفاطميون» على حريتهم. ثم إن محقق نفسه كان قد استفاد في التسعينات من «كرم» الحرس الثوري الإيراني، إذ كان أحد الوكلاء.

تشير شائعات كثيرة إلى تمرد داخل صفوفهم خلال قتالهم في سوريا، ثم إنهم غير منضبطين أو موحدين، لكنهم أظهروا قدرتهم على القتال والبقاء. قائد الميليشيات الراحل علي رضا تاماسولي جمع عام 2012 مجموعة من المهاجرين الأفغان في إيران للقتال في سوريا، وكان هؤلاء من فلول القوات التي قاتلت في الحرب العراقية – الإيرانية في الثمانينات. الآن يجد هؤلاء المقاتلون الأفغان الشيعة أنفسهم مرة أخرى في خضم المنافسة الجيوسياسية بين الولايات المتحدة وإيران. إن اعتماد إيران على وكلائها ليس جديداً، لكنه هذه المرة لافتاً للنظر وظهر هذا في الخطاب الذي القاه الأمين العام لـ«حزب الله» في لبنان السيد حسن نصر الله، حيث ضرب عصفورين بحجر واحد: هدد بمشاركة إيران في حربها ضد الولايات المتحدة وضرب مصالحها «على أمل» أن يضرب فصل الصيف في لبنان.

إن استدعاء قاسم سليماني للوكلاء وإعادة توجيههم، مثل لواء «الفاطميون»، يشير إلى أن تغيير النظام الإيراني ستكون له آثار غير متوقعة على استراتيجية الخروج الأميركية من أفغانستان. ستعمّ الفوضى ليس في إيران فقط بل في أفغانستان أيضاً!