الصعب بدا سهلا جدا في ساحة النجمة: دفاع المسؤولين بفصاحة عن سلّة ضرائب قاسية مفروضة من خارج الموازنة وخلافا لنظريات مهمة في علم الاقتصاد حين تكون الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية مأزومة. والظاهر ان اللعبة على المسرح السياسي اللبناني تتفوق على لعبة الحقائق البديلة التي استخدمتها كيليان كونواي مستشارة دونالد ترامب دفاعا عن سقطاته. فالفصاحة تزداد تحت سقف التواطؤ المسمّى تسويات سياسية. والقدرة على التمويه تكبر بمقدار ما تقلّ الرغبة في التمويل عبر الاصطدام بمصالح النافذين.
وليس من المفاجآت ان يتم التحايل على قرار المجلس الدستوري ما دام التحايل على الدستور يكاد يصبح القاعدة لا الشواذ: لا انتخابات نيابية منذ العام ٢٠٠٩ بل تمديد وراء تمديد للمجلس النيابي. لا انتخابات فرعية يفرضها الدستور. لا موازنات سنوية منذ العام ٢٠٠٥ بل إنفاق بلا سقف، وجمع واردات بلا شرعية. فضلا عن الذهاب بعيون مفتوحة ومصالح ضيّقة الى الشغور الرئاسي ثلاث مرات في نهاية ثلاثة عهود قبل الطائف وبعده.
ذلك ان المنطق الذي يراد تكريسه هو تبرير السياسات الخاطئة بحجة انها ضرورية للحؤول دون انهيار لبنان: امتداح النفس بتقديم حلّ سيّئ لمشكلة من صنع اليد. المفاخرة بانجاز موازنة دكّنجي من دون رؤية مالية واقتصادية بعد ١١ سنة بلا موازنات. وانجاز تشكيلات قضائية بأكبر قدر من التدخل السياسي في القضاء وأوسع محاصصة طائفية ومذهبية وحزبية لا سابق للفجاجة فيها، بحيث بدا الاتفاق عليها أسوأ من الخلاف الذي قاد الى تأخيرها طويلا.
والمسألة ليست ضرائب أو لا ضرائب، كما قيل لاحراج المعترضين على فرض ضرائب تطال الفقراء والطبقة الوسطى. فلا أحد يجهل الحاجة الى واردات لتمويل السلسلة وسواها. المسألة هي نوعية السياسة الضريبية وماذا ومن تخدم وضمن أية رؤية مالية واقتصادية. والثابت في لبنان منذ الاستقلال هو سياسة ضريبية تخدم حيتان الاقتصاد النيوليبرالي المتوحش، وتأخذ بالتركيز على الضرائب غير المباشرة من الأكثرية الساحقة في الطبقتين الوسطى والفقيرة، بدل ان تكون الضرائب المباشرة على الأرباح هي الأساس.
والسؤال البسيط ليس فقط لماذا وصل الدين العام الى أرقام فلكية من دون قدرة على الايفاء به ومن دون إنفاق جدّي على الاستثمار ولا حلول لمشاكل البنية التحتية من طرق وماء وكهرباء ونفايات، بل على ماذا أنفقنا الواردات والمبالغ المقترضة؟ أليس على الرواتب وخسائر الكهرباء وخدمة الدين والفساد المحمي بالقانون أو بسطوة النافذين؟
لجنة جوائز نوبل تبدو مقصّرة في الامتناع عن منح المسؤولين جائزة نوبل في الاقتصاد.