Site icon IMLebanon

الفدرالي وسياساته الجديدة على مفترق طرق

 

قد نتساءل، ونحن على مشارف تغيير في رئاسة الاحتياطي الفدرالي عن كيفية ادارة هذا المجلس ومن خلالها تحديد السياسة النقدية الاميركية.

رغم التغيير الذي احدثه الرئيس الاميركي دونالد ترامب من خلال تعيين رئيس جديد للفدرالي، يبدو ان الكثيرين يتوقعون استمرار اسعار الفوائد في الارتفاع ونمط السياسة النقدية التي اتبعتها يلين المنتهية مدتها. ورغم ان باول جمهوري فإنه ملتزم بقوة بسياسات يلين منذ تعيينه في الاحتياطي الفدرالي في العام ٢٠١٢.

لذلك، يمكننا ان نتوقع وبشكل عام الاستمرارية في المسار الذي رأيناه مع يلين مع بعض الميول الخاصة او الاتجاهات حسب استاذة التمويل في وارتون Krista Schawrz ، والتي تتفق مع العديد من المحللين، من ان ترامب لا يريد ان يهز المركب كثيرًا رغم الخلاف الناشىء بين الديمقراطيين والجمهورييين حول امور عدة واهمها قد يكون Dodd- frank act واصلاح قانون حماية المستهلك. لذلك لن يكون من المستبعد ان يحصل تغيير وان كان ضعيفًا في الانظمة التي تتحكم بالمصارف.

وقد حاول المراقبون التكهن بما سوف يفعله باول في الاحتياطي الفدرالي من خلال ما يريده ترامب. وفي معظم مقابلاته لم يكن باول واضحًا جدًا ليس فقط لأنه لم يدرب كاقتصادي رغم انه وفي السنوات الخمس الماضية شارك بنشاطات المجلس الاحتياطي جنبًا الى جنب مع جانيت يلين الا انه يميل الى ان يكون اكثر عدوانية من يلين، سيما من ناحية تخفيف مفاعيل الـ Dodd Frank وجعله اقل ضغوطًا على المصارف ودعم رؤوس الاموال لاستيعاب الصدمات في المستقبل.

ولا يخفى على احد ان باول سيكون رأس الحربة في الزيادات المرتقبة على اسعار الفوائد سيما وان هذه السياسة كانت من اهم العوامل التي حدت بترامب الى ازاحة يلين حيث اتهمها آنذاك بأنها تنفذ اجندة عمل اوباما.

ووفقًا لـ Conti Brown استاذ وارتون فان الفارق الاهم بين باول وسابقيه في الفدرالي هي خبرته في التنظيم والاشراف، سيما وان طريقة التعامل الاميركية مع المدفوعات والتسويات وكتابة الشيك واستخدام بطاقة الائتمان وغيرها تتطلب العديد من المعاملات وهي دائمًا حسب Brown مختلفة عن بقية العالم الصناعي، لذلك قد يكون عليه فعل الكثير في هذا المجال لتحديث نظام المدفوعات.

والاكيد ان باول قد يحدث تغييرات في هذا المجال وتغييرات اقل في السياسة النقدية الا انه وحسب العديد من المحللين قد يكون اكثر حماسة من يلين في زيادة اسعار الفوائد خلال العام ٢٠١٨.

يبقى ان الامر المتفق عليه بين المحللين والاقتصاديين وغيرهم من متتبعي الاسواق ان باول، وان كان رئيسًا، سوف يتعامل مع جملة امور اهمها المؤشرات الاقتصادية وارتفاع الشكوك حول السياسات المالية المقبلة والانخفاض في معدل التضخم. اضف الى ذلك ما قد تولّده سياسات ترامب التجارية مع العالم الخارجي والتي قد تعزل اميركا عن بقية العالم ان كان من خلال الـ NAFTA او بناء حائط مع المكسيك او امور اخرى.

بالاضافة الى سعي ترامب الدائم لجعل «اميركا اولا»، ولكن ما يفعله احيانا هو عكس ما يقوله. واذا كان حديثه في داڤوس جاء مرطبًا لبعض الامور الا ان حكام العالم هناك لم يمنحوه اذنًا صاغية، سيما وان افعاله وممارسته اليومية تدعو الى غير ذلك.

واذا كان رفع اسعار الفوائد في ظل الظروف المالية العالمية سوف يعطي الدولار دفعًا جديدًا الا انهم سوف يرون ان ذلك قد يؤثر سلبًا على اميركا وتجارتها مع الخارج، لذلك قد لا يكفي ما يريد باول فعله انما وجب معرفة ما يريده ترامب من خلال تعيينه لباول.

ومن المرجّح أن تجري الامور بطريقة سلسة ودون التعرض للمسلمات، واهمها قد يكون الابقاء على استقلال المجلس الاحتياطي الفدرالي سيما وان استقلال البنك المركزي هو حجر الزاوية في قدرة الرئيس، أي رئيس، على تنفيذ سياسة نقدية فعالة. لذلك، وحسب Schwarz فان الابقاء على استقلالية الفدرالي عملية تتطلب مراجعة جيدة سيما وان انعدام الاستقلالية يقلل من المصداقية في دوافع المؤسسة وسياستها واي تحديد لاستقلالية الاحتياطي الفدرالي ستكون نتائجها سيئة للغاية، سيما وان المصداقية امر حاسم ومهم في توقعات التضخم وتوجيه قرارات الاستثمار والادخار في الاقتصاد».

اضف الى ذلك العلاقة، وهي غير ملزمة، بين رئيس الجمهورية ورئيس الفدرالي. هذه العلاقة شهدت تفاوتًا في تاريخها فيما كانت جيدة بين غرينيسان وكلينتون كانت غير ذلك بين ڤولكر وريغان وكذلك تفاوتت عن العلاقة بين برنانكي وبوش واوباما.

لذلك نرى الامور الان على مفترق طرق، سيما وان التعاطي مع الرئيس الاميركي ترامب قد لا يكون سهلا الى هذا الحد، ويحتاج الكثير من الحذر كون باول غير ملم فعليًا بالامور الاقتصادية البحتة، وقد لا يكون باستطاعته اتخاذ قرارات ذات ابعاد تُلزم الادارة الاميركية.

وهناك الكثير من الاشياء التي تدخل في حساب هذه الاستقلالية، كونها المرة الاولى التي يترأس فيها الفدرالي رجل اعمال غير ملم بالامور الاقتصادية البحتة التي هي من صلب اعمال المصارف المركزية.

لذلك، قد يكون استبدال الحرس القديم في السياسة النقدية بوجوه جديدة له آثار ضارة لا يمكن معرفتها قبل حصولها، لكن من الصعب نسيان تأثير القواعد والنظم المالية في اعادة الحياة الاقتصادية الى طبيعتها.

واذا سلمنا جدلًا بأن باول لن يغير بالكثير في سياسة يلين، وان ترامب لا يريد ان يهز المركب بشكل عشوائي، يبقى أن نشير الى ان الخوف الوحيد هو ان تخرج واشنطن عن الانظمة والقوانين وتضرب بعرض الحائط المعاهدات الدولية وتستخف بها، مما يجعل قدرات الفدرالي ضعيفة في ادارة الاقتصاد العالمي ويجعل من الصعب على حلفاء اميركا الالتزام مع الادارة الاميركية اذا ما هزّت الرياح قارب اقتصادهم.