كانت الأسواق في الفترة الأخيرة، في حال ترقّب لما ستقوله جانيت يلين رئيسة مجلس الاحتياطي الفدرالي خلال المؤتمر السنوي في جاكسون هول، وايومنغ وموضوع الخطاب هو الاستقرار المالي ووضع خطة للمستقبل الاقتصادي.
من المسلم به ان رئيسة الفدرالي كانت حريصة على دراسة كلامها في جاكسون هول بدقة، سيما وان ولايتها تنتهي في شباط المقبل. وحتى الان، لم يفصح دونالد ترامب عمّا اذا كان سيتمّ التجديد ليلين، او انه سوف يسير في التغيير.
يقول لوك بارثولوميو، استراتيجي الاستثمارات في «ابردين للاستثمارات»، انه لا يعتقد انه سوف يُعاد تعيينها، سيما وان طريقة صنع القرارات التي يتبعها الاحتياطي الفدرالي ليست نفسها التي يُعمل بها في البيت الابيض. ودائما حسب بارثولوميو «ما يبعث القلق هو ان شخصا جديدا سوف يأتي ويزعزع الاسلوب الذي يعمل به الاحتياطي الفدرالي.
لكن، يبدو ان يلين وضعت جانبًا التساؤلات حول مستقبلها وركزت على المواضيع الواجب حلها في الوقت الحاضر، وهي مهمة، سيما السير بالفدرالي من فترة الأزمة الى مواقف اكثر طبيعية. وقد جاء خطاب يلين بعد ان بدأ مجلس الاحتياطي الفدرالي في خفض سعر الفائدة في ايلول ٢٠٠٧ وذلك لمواجهة الأزمة المالية المتفاقمة والتي تهدّد النظام المصرفي.
وبدأت عملية شراء السندات في محاولة لايجاد السيولة والمحافظة على انخفاض اسعار الفوائد. لذلك اعتُبر خطاب يلين مفصلياً سيما وانه قد يكون آخر خطاب لها في ظل سياسة جديدة في البيت الابيض وعدم وضوح موقف ترامب منها كرئيسة لمجلس الاحتياطي الفدرالي.
خطاب يلين ليس الوحيد الذي حظي بالمتابعة. كان هناك ايضا اهتمام استثنائي بكلمة رئيس البنك المركزي الاوروبي ماريو دراغي مع التركيز على موضوع الندوة والتي هي تعزيز الاقتصاد العالمي.
ما راقبه المستثمرون عندما تحدث دراغي ويلين في جاكسون هول تركّز حول ما اذا كانت هنالك تحولات في السياسة العامة وما اذا كانت هنالك اشارات لتحريك الاسواق هذا علمًا ان البنوك المركزية في هذا الوقت تنأى بنفسها عن اي تلميحات حول السياسة النقدية والتوتر المتصاعد بين الاستقرار المالي والتضخم وهي امور تتطلب رصدًا دقيقًا.
ورغم ان الموضوع الاساسي من اجتماع جاكسون هول هدف الى تعزيز الاقتصاد العالمي انما تابع المراقبون من خلاله امرين اساسيين:
١– خطاب يلين ومحتواه في فترة ما بعد الأزمة.
٢– خطاب دراغي وما اذا كان قرار المركزي الاوروبي السير بنهاية عملية التيسير الكمي.
وما جاء في الخطابين لم يفاجئ الكثيرين، سيما ما قاله دراغي في ظل غياب بيانات اقتصادية وفي ظل مؤشرات متباينة من نمو وبطء في ارتفاع الاسعار، مما يعني عدم وجود خيارات سياسية اقتصادية واضحة. كذلك من الصعب تحديد المسار الاقتصادي، سيما عندما نبّه الى امور خطيرة يتعرّض لها الاقتصاد العالمي ومنها التراجع الحاصل في شأن التجارة الحرة.
علمًا ان الضوابط المالية اصبحت في خطر وفي مواجهة الرئيس الاميركي الذي يدعو الى اتباع نهج اكثر حمائية، كذلك كون الادارة الاميركية اظهرت انها تعتزم سحب بعض الانظمة المالية التي وضعت بعد انهيار ليمان برازرز في خريف ٢٠٠٨.
وبينما قال دراغي أن التجارة الحرة يمكن ان تؤدي الى تفاقم عدم المساواة والتعاون بين الامم، وشدّد على ضخ مزيد من الدينامية في الاقتصاد العالمي. كذلك اوضح دراغي ما شهدناه مؤخرا من مخاطر الانفتاح المالي مع انظمة غير كفوءة.
هذا الخطاب لم يأت بشيء جديد لا للمستثمرين ولا للمحللين الاقتصاديين بل انه شدد على ما هو بات معروفًا بينما جاء خطاب يلين أكثر تشدداً ودافعت دفاعاً قوياً عن الأنظمة التي وضعت تحت ادارة اوباما في اعقاب الأزمة المالية وقالت انها لا توافق على موقف الرئيس دونالد ترامب والجمهوريين في الكونغرس من ان العبء التنظيمي يخنق الاقراض والاقتصاد.
وموقف يلين هذا ودفاعها عن الانظمة الاساسية سيعزّز مواقف من هم داخل الادارة الأميركية والذين لا يحبّذون اعادة انتخابها وفرصة حصولها على ولاية ثانية.
وحسب بول اشوورث كبير الاقتصاديين في Capital Economies ان دفاع يلين المستميت عن فترة ما بعد الأزمة وتشديد الأنظمة المالية لن يلقى ترحيبًا في البيت الابيض. وللعلم، ان تصريحات يلين في اجتماع وايومنغ قد لا يمنع حماسة من هم في البيت الابيض انما يبرز تحديات كبيرة سيما وان هناك داخل الادارة اناس مازالوا يتذكرون جيدًا الأزمة المالية وما نتج عنها من عواقب على السياسة المالية العالمية والاقتصاد.
هذا الخطاب يعني فيما يعنيه أن يلين تنحّت مسبقاً، عن رئاسة الاتحادي الفدرالي ولا يعني بالضرورة استلام كوهين رغم كونه احد اكبر المحللين الماليين في العالم لكنه قد يكون من المبتدئين في السياسة النقدية ولا يمكن ان يحقق اي انجاز في رئاسة الاحتياطي الفدرالي.
هذان الخطابان لم يتركا أي عواقب تذكر على الاقتصاد العالمي سيما وان اوروبا تعيش فترة اعادة تمركز، في خضم معالجة تحركات خيارات ترامب الخاطئة. لكن خطاب يلين فتح باب التكهنات من سوف يكون خليفتها في رئاسة الفدرالي الاميركي سيما وان الخطاب أضرّ بامكانية فوزها بولاية ثانية.
في النهاية، نرى ان ما راهن عليه المحللون لم يكن سوى اعادة ما نعرفه في غياب بيانات اقتصادية مهمة وفي وضعية مازال التضخم فيها خصوصا في اوروبا يعاني رغم سياسات التحفيز التي وضعت وفي ظل تساؤلات عمّا اذا كانت سياسة التحفيز هذه قد تستمر في العام ٢٠١٨.