لم يخرج بعد ملف النازحين السوريين في لبنان من ثلاجة مفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين والولايات المتحدة الاميركية والاتحاد الاوروبي، على الرغم من التطورات الاخيرة بدءا من العدوان “الاسرائيلي” على لبنان منذ مطلع ايلول، مرورا باحداث سوريا وانتهاء بسقوط النظام السوري .
ومع ان الحرب “الاسرائيلية”على لبنان ادت الى عودة ما يقارب ال٣٠٠ الف نازح الى سوريا وفق الاحصاء التقريبي للمفوضية، بالاضافة الى مغادرة عشرة آلاف نازح بعد سقوط النظام السوري، فان هذا التطور لم يؤخذ حتى الآن بعين الاعتبار لدى مفوضية اللاجئين، ولم يشكل حافزا لها لوضع استراتيجية جديدة وفورية، من اجل العمل الجاد على تسهيل عودة النازحين السوريين الى سوريا، لا سيما ايضا بعد سقوط حجة فزاعة النظام السوري السابق، واعلان السلطة الجديدة العفو العام ودعوتها النازحين للعودة الى البلاد .
ومن الواضح كما ساد في السابق، فان المفوضية المذكورة تتصرف وفق توجيهات غير معلنة من الدول والقوى الدولية المؤثرة في هذا الملف، اي الولايات المتحدة ودول الاتحاد الاوروبي، التي سمحت لنفسها باتخاذ قرار تعليق اللجوء السوري، ولم تبد اشارة ايجابية لمساعدة لبنان من اجل اعادة النازحين السوريين الى سوريا، في ضوء التطورات والمعطيات الجديدة .
وعليه، فان مفوضية اللاجئين لم تبادر حتى الآن الى تغيير نمط تعاملها مع هذا الملف، وما زالت تتصرف وفق نهجها السابق، وكأن شيئا لم يحصل. وتبرر تصرفها هذا بان هناك حاجة “للترقب والانتظار”. كما عبر ممثلها في اجتماع لجنة الشؤون الخارجية النيابية التي عقدت اجتماعا لها امس برئاسة رئيسها النائب فادي علامة لمناقشة ” ملف عودة النازحين السوريين بعد التطورات الاخيرة “.
والحقيقة، ان ما جرى منذ بداية ايلول حتى اليوم، يؤكد زيف ادعاءات المفوضية والغرب حول هذا الملف، باعتبار ان الحرب “الاسرائيلية” الاخيرة كشفت ان باستطاعة النازحين العودة الى بلادهم، بدليل ان اكثر من ٣٠٠ الف نازح عادوا اليها خلال وجود النظام السابق، وان اكثر من عشرة آلاف رجعوا ايضا خلال بضعة ايام الى سوريا بعد سقوط النظام المذكور. .
من هنا، طرح رئيس واعضاء لجنة الشؤون الخارجية النيابية خلال اجتماع الامس اسئلة كثيرة على مفوضية الامم المتحدة حول استراتيجيتها الجديدة المفترضة بعد كل ما جرى، لكنهم لم يتلقوا جوابا شافيا، وبدلا من عرض الاستراتيجية المطلوبة اكتفى ممثلها بعرض ارقام الذين غادروا الى سوريا، والذين نزحوا منها حديثا بعد سقوط النظام، ولم يعط ايضا اي جواب حول الحوافز التي يجب ان تقدمها المفوضية، لتشجيع الذين ذهبوا الى سوريا للبقاء في بلدهم، خصوصا ان عودة قسم كبير من الذين ذهبوا مؤخرا هي عودة “استطلاعية ” على حد تعبيره .
والواضح ان دول اللجوء في اوروبا واميركا تتعامل مع ملف النازحين السوريين وفق مصلحة كل دولة منها، وبالتالي تتصرف بمعيارين: الاول يخدم مصالحها عموما، والثاني يتعلق بالنازحين في دول الجوار ومنها لبنان، حيث ترى ان هناك حاجة لابقاء الوضع على ما هو لفترة غير قصيرة، حتى ترتب امورها تجاه المستجد في سوريا .
وما يثير القلق هو ان الادارة الاميركية على لسان مسؤولين فيها، ما زالت تستخدم ” داعش” وسيلة واداة لابقاء وضع اليد على سوريا، اكان من خلال الوجود العسكري المباشر فيها، ام من خلال وضع اليد على الاوضاع السورية بالتعاون مع شركائها بعد اسقاط النظام السوري. وهذا يعني تحكمها بسائر الملفات، ومنها ملفي النازحين واعادة الاعمار، وبالتالي تاجيلهما لفترة غير قصيرة .
وخلال اجتماع لجنة الشؤون الخارجية النيابية اوضح ممثل مفوضية اللاجئين ان حوالى ٤٣ الف سوري نزحوا الى لبنان مؤخرا بعد سقوط النظام، معظمهم الى بعلبك الهرمل، بالاضافة الى حوالى ٥٢ الف لبناني معظمهم يقطنون في مناطق سورية نزحوا ايضا الى لبنان.
وخلال الاجتماع عرضت ممثلة وزارة الشؤون الاجتماعية تقريرا عن اللاجئين بعد التطورات الاخيرة، اشار الى عودة كبيرة للنازحين السوريين من لبنان الى سوريا على مرحلتين:
– المرحلة الاولى ابان الحرب “الاسرائيلية” على لبنان ابتداء من ٢٣ ايلول الماضي لغاية تاريخ وقف النار، وقدرت مفوضية الامم المتحدة العدد بحوالى ٢٢٦ الف نازح عبر المعابر الشرعية.
– المرحلة الثانية بعد سقوط النظام، وبلغ عدد العائدين الى سوريا عبر المعابر الشرعية حوالي عشرة الاف.
اما نسبة العائدين الى سوريا خلال الحرب “الاسرائيلية” فجاءت على الشكل الاتي : ٧٣٪ من الجنوب، ١١٪ من بيروت، ٥٪ من البقاع، ٢٪ من بعلبك، ٢ ٪ من جبل لبنان، ١٪ من الشمال، و١ ٪ من عكار.
وصرح رئيس اللجنة النائب علامة بعد الاجتماع ” ان اللجنة وجهت للمفوضية العليا للاجئين اسئلة حول استراتيجيتها بالنسبة لعودة النازحين التي انتفت اسباب بقائهم في لبنان، والتي كانت بالاصل اسبابا سياسية، خصوصا بعد العفو العام الذي صدر من قبل السلطات السورية اليوم” . اضاف : “وجهنا اسئلة تتعلق باعداد السوريين الذي عادوا الى سوريا، وكان الجواب ان هناك ٣٠٠ الف عادوا الى بلدهم، وان قسما كبيرا منهم كانت عودتهم من اجل الاستطلاع، واذا ما كانت الاوضاع تسمح لهم بالعودة الى سوريا، وهؤلاء لم يعودوا الى لبنان “.
اضاف ” انه بناء على اسئلة اللجنة حول الحوافز التي يمكن ان تقدمها من اجل مساعدة النازحين السوريين للبقاء في بلدهم، اوضحت المفوضية ان لديها برامج جديدة، لا سيما من عادوا الى سوريا الهدف منها تقديم المساعدات العينية، والعمل يجري على تأمين المساعدات المالية للنازحين، الذين كانوا في لبنان للبقاء في الداخل السوري “.