الموقف اللبناني الموحّد والتسهيلات السوريّة يصطدمان برفض الغرب
شيء ما حرك ملف النازحين السوريين، وأعاده بزخم الى الواجهة من جديد، فاندفعت التصريحات اللبنانية بخطابات عالية السقف من أعلى الهرم السياسي تطالب بالعودة، بحجة استنزاف لبنان وعدم قدرته على تحمّل أعباء النزوح في ظل الأزمة الإقتصادية والانهيار الحاصل، وحيث كان لافتا ما أعلنه وزير شؤون المهجرين عصام شرف الدين عن خطة للعودة، ومساعي مع الجانب السوري لتأمين مراكز إيواء مع البنى التحتية. فماذا طرأ من تطورات للتصعيد اللبناني الكبير في وجه المجتمع الدولي في هذا الملف؟ والى أين سيصل لبنان في مسعاه وضغوطه على المجتمع الدولي؟
يتحدث الممسكون بملف النزوح، عن وضع لم يعد مقبولا ونشوء أزمات داخلية من جراء النازحين، الذين يرهقون المجتمع ويزيدون من أزماته، مما يضطر اللبنانيين الى الإبحار والهجرة غير الشرعية، فيما لم تعد البلديات قادرة على الاستمرار. ولا يخفي هؤلاء ان هناك تجاذبا حول ملف النزوح بين لبنان الرسمي والجهات الدولية المنحازة بشكل فاضح لمصلحة النازحين، بدون الالتفات الى الدولة اللبنانية ومساعدتها على تحمل الأعباء، وقد ظهر ذلك بشكل واضح في تهديدات المفوضية بوقف المساعدات بعد عودة النازح السوري الى بلاده.
ووفق مصادر مطلعة، فان المحادثات كانت مفتوحة في الفترة الأخيرة بين الجانب اللبناني ومفوضية شؤون اللاجئين، وخيضت أكثر من مواجهة في هذا الملف مع ممثل مكتب المفوضية في لبنان أياكي ايتو، بعدما طالب لبنان بتأمين العودة الآمنة، فيما ظهر تردد المفوضية في شأن عودة المعارضين السوريين، وصار مؤكدا ان الموقف اللبناني الموحد ينطلق من اعتبارات اقتصادية مرتبطة بالانهيار، بعدما تكبد لبنان ١١ مليار دولارا كلفة النزوح تقريبا، والمؤكد ايضا ان المجتمع الدولي يعرقل العودة، ويضع الحجج طارحا فكرتين أساسيتين: دمج النازحين بالمجتمع اللبناني، وإقامة مخيمات في المناطق الحدودية مع سوريا وتركيا.
وتؤكد مصادر سياسية ان هناك إجماعا لبنانيا لرفض دمج النازحين، وظهر التناغم بين مختلف القيادات اللبنانية في هذا الملف من رئاسة الجمهورية والتيار الوطني الحر، نظرا لتداعيات هذا الطرح عليهما، إضافة الى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي المتشدد، والذي هدد باللجوء الى القانون، وملوحا باللجوء الى طرق غير مستحبة مع الغرب. وقد شكل الموقف اللبناني علامة “فارقة”، ففي الماضي خضع الملف لتجاذبات كثيرة وابتزاز فريق ١٤ آذار رفضا لفكرة التنسيق بين لبنان وسوريا، كما لم تتوافر الإرادة اللبنانية والنيات الجدية لإيجاد حل.
يقول العارفون في الملف، ان الحال الراهنة لملف النازحين تختصر بالصورة الاتية: الموقف اللبناني متشدد جدا برفض الدمج، والغرب معرقل للعودة، والسوريون قدموا تسهيلات تتعلق بمراسيم العفو وتسوية أوضاع المهاجرين والمغادرين وخدمة العلم.
تتجه الأنظار الى المبادرة الأخيرة التي طرحها الجانب اللبناني ويعمل عليها مع الجانب السوري، والمتعلقة باعادة ١٥ ألف نازح، علها تجد حلا لأزمة النازحين التي تربك لبنان وتفوق قدراته الاستيعابية لمليون ونصف نازح، الا ان المخاوف باقية من ان تلقى المبادرة اللبنانية مصير المبادرة الروسية وغيرها من المبادرات السابقة، وان تتجدد الضغوط الدولية على لبنان الضعيف لاحراجه في هذا الملف الشائك والثقيل، فلبنان يتطلع الى تقديم الدعم للنازحين في مناطق عودتهم والى تعويضات مالية مناسبة، فتكلفة النازحين تصل سنويا الى ثلاثة مليار دولار، لكن لا شيء يخدم التوجه اللبناني، فالمطالب اللبنانية تصطدم بـ “فيتو” المجتمع الدولي على العودة ووقائع وعقبات ميدانية، اضافة الى عبء الملف الأوكراني الذي يرهق الأوروبيين ويمنع تدفق واستقبال السوريين.