لم تتجاوز حكومة الوحدة الوطنية تبعات زيارات الوزراء إلى دمشق، ولو أن هذه الزيارات تتم بصورة أو صفة شخصية وفقاً للمخرج الذي تم التوصّل إليه لحصر التوتر المرافق لقضية العلاقات اللبنانية ـ السورية الذي ستتوالى فصوله في الأسابيع المقبلة. وفي هذا الإطار تخشى أوساط سياسية من أن يعزّز الإنقسام داخل مجلس الوزراء حول العلاقة مع سوريا مناخ الإصطفاف الذي ساد ما بين 8 و14 آذار على مدى السنوات الماضية. وعلى الرغم من التقدّم الذي أحرزته مسألة قانون تمويل سلسلة الرتب والرواتب، حيث كشفت الأوساط أن هذا القانون سيسلك خلال أيام طريقه نحو الإقرار والنشر بعد أن يوقّعه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، فإن الأوساط نفسها تحدّثت عن تحدي جديد أمام الحكومة يتجاوز بمحاذيره كل التحديات الأخرى، إذ بات واضحاً أن التداعيات متعدّدة وستتصاعد تدريجاً، أبرزها الخروج من دائرة النأي بالنفس عن الصراع في سوريا. كذلك، فإن النتيجة التالية، وقد تكون الأخطر من الأولى، كما تقول الأوساط السياسية، ستتمثّل في الإنزلاق إلى صراع محاور إقليمي ودولي جديد في ضوء المتغيّرات في التحالفات في المنطقة، كما السياسة الأميركية الخارجية الجديدة، والأزمة الناشئة بين قطر ودول الخليج.
وتضيف الأوساط السياسية نفسها، أن من شأن الإنقسام الحكومي أن يؤدي إلى أزمة سياسية غير واضحة المعالم كما النتائج، كون كل الملفات المطروحة الأمنية والسياسية والإقتصادية قد باتت على تماس مع ملف العلاقة مع سوريا. وبالتالي، فإن الهزّة التي تعرّضت لها الحكومة خلال الأسبوع الماضي، لم تؤدِّ إلى إسقاطها نتيجة التصعيد السياسي، ولكنها وضعت تحديات جديدة على طاولتها، أبرزها ووفق الأوساط ذاتها، تحويل الساحة اللبنانية إلى صندوق بريد مجدّداً تتبادل فيه الولايات المتحدة الأميركية وإيران، رسائل الضغط بطريقة غير مباشرة، وعبر أطراف محلية وإقليمية على حدّ سواء.
ومن هنا، فإن انتقال مناخ الإحتقان والتهديدات على مستوى واشنطن وإيران من جهة، وإيران ودول الخليج من جهة أخرى، إلى داخل مجلس الوزراء، ينذر بنسف معادلة الإستقرار السياسي كما الأمني على حدّ سواء، إنطلاقاً من أن هذه المعادلة قد قامت خلال السنوات الست الماضية، وتحديداً منذ اندلاع الحرب في سوريا، على مبدأ الحياد عن أتون النار السوري، كما تؤكد الأوساط، والتي لفتت إلى أن لبنان بقي واحة مستقرة في المنطقة على الرغم من كل الصراعات والحروب المحيطة به، نتيجة تقاطع الإرادات الإقليمية والدولية.
ولذلك، فقد بات واضحاً أن الحكومة بحاجة اليوم إلى استمرار هذا التقاطع أولاً على المستوى الخارجي، وإلى إعادة تأكيد ثوابت الوحدة الداخلية على المستوى المحلي، إذ أوضحت الأوساط أن هذا الأمر يتحقّق فقط إذا بادرت القوى السياسية إلى الفصل ما بين الملفات السجالية والواقع الحكومي، وبالـتالي، على كل مكوّنات حكومة الوحدة، الإبتعاد عن طرح أي مسألة تؤدي إلى اهتزاز الإستقرار السياسي تحت وطأة الخلاف الخطير حول زيارات الوزراء اللبنانيين إلى سوريا.
وفي هذا المجال، تضيف الأوساط عينها، أن اعتبارات المرحلة الراهنة، تقتضي التعاطي مع هذه القضية الحسّاسة على طريقة القضايا الخلافية الأخرى التي كادت تفجّر الحكومة في السابق، وذلك من خلال تحييدها ووضعها جانباً إلى حين نضوج ظروف مناقشتها، ليصار بعدها إلى تحديد الموقف النهائي منها.