IMLebanon

الوضع المالي والإقتصادي لا يبشر بالخير لكنه لم يصل عتبة الانهيار

هل يعقل ان يسجن مخالف بدراجة نارية وناهب المال العام يبقى طليقاً؟

 

من السهل محاربة الفساد ووقف الهدر إذا اعتمدنا معادلة «شطف الدرج من فوق وليس العكس

 

يضع مختلف شرائح المجتمع اللبناني اليد على القلب مخافة ان ينزلق بلدهم إلى أزمة مالية ونقدية تؤدي إلى انهياره. ويتأتى هذا الخوف نتيجة ما ينقل عن مسؤولين في صندوق النقد الدولي من ان لبنان يتجه إلى مسار مالي ونقدي لن يكون بإمكانه تحمل تداعياته ما لم يسارع إلى إصلاحات نوعية، إضافة إلى التصريحات اليومية التي تطلق على لسان أكثر من مسؤول لبناني محذرة من عاصفة مالية واقتصادية في طريقها إلى لبنان ما لم نُسارع إلى اقفال الأبواب والنوافذ امامها والحؤول دون دخولها والعبث بالأوضاع اللبنانية من مختلف جوانبها.

 

البعض يقول ان هذه الأزمة مفتعلة، والبعض يرى ان هناك تمويلاً داخلياً وخارجياً ما زال غير معروف المرامي، في حين يذهب بعض المتابعين إلى الاعتراف بوجود أزمة اقتصادية ومالية لكنهم يقللون من اثرها على لبنان الذي لا يُمكن ان يصل إلى حدّ الانهيار من دون ان يغوصوا في الأسباب التي تجعلهم غير خائفين على الوضع المالي والاقتصادي بالقدر الذي يتحدث عنه البعض.

 

ما من شك ان غياب الاستثمارات عن لبنان نتيجة اللااستقرار سياسي وغياب الحوافز والتطمينات التي تؤمنها الدول للمستثمرين في الداخل والخارج تعتبر المسؤول الأوّل عن تراجع الوضع الاقتصادي إلى المستوى الذي وصل إليه، ولأن المطلوب من لبنان زيادة في أرقام النمو فإن هذا الأمر لا يُمكن تحقيقه من دون استثمارات وهذا يربك المسؤولين في لبنان ويجعلهم حائرين في امرهم تجاه الخطوات التي يُمكن اتخاذها لتحقيق هذا الطلب الدولي المرتبط بشكل وثيق بمسألة المساعدات المنضوية في توصيات مؤتمر «سيدر»، ولذا نرى هذه الأجواء المحيطة بالمناقشات الجارية حول مشروع الموازنة داخل وخارج مجلس الوزراء.

 

وإذا كان تقاذف التهم هو السبيل للتهرب من المسؤولية لدى أهل القرار في لبنان فإن هناك ثغرات دامغة تؤكد ان عدم ادراكهم بمخاطر الأمور وتفضيلهم مصالحهم الخاصة على مصلحة البلد أدى بشكل واضح إلى تراجع الوضع المالي على النحو الذي هو عليه الآن، ويأتي في مقدمة ذلك عدم التزام الحكومة بالأرقام التي تنص عليها الموازنات لناحية الانفاق، ناهيك عن التوظيف العشوائي الذي حصل على أبواب الانتخابات النيابية السابقة، من دون اغفال خدمة الدين.

 

إن هروب المسؤولين بمختلف انتماءاتهم السياسية من سياساتهم الهدامة اقتصادياً ومالياً باتجاه إعلان الحرب على الفساد ووقف الهدر لم يعد ذي جدوى حيث ان القاصي والداني يعرف أين هي مكامن الهدر والمسؤولين عن الفساد، وما دام هؤلاء معرفون بالأسماء وحتى أماكن سكنهم فلماذا خوض المعارك ضد مجهولين أو إلصاق التهم بموظفين صغار ما كان ليتجرَّأوا على القيام بأي فعل لو انه تمّ ردعهم من الكبار، أو ما لم يكن لهم حماية سياسية من هذا الزعيم أو ذاك.

 

صحيح، ان هناك أزمة اقتصادية ومالية بدأت تشدُّ على خناق اللبنانيين غير ان المعالجة ليست مستعصية وان هناك أبواباً كثيرة إذا طرقت ستؤدي حتماً الى رفع نسبة النمو والحد من مخاطر الانهيار،وأبرز خطوات المعالجة هي رفع الغطاء بالكامل عن أي مرتكب مهما علا شأنه ووضع اليد على الاموال التي يتم الإثبات بأنه جمعها بطرق غير شرعية والوصول إلى حدّ الزج بهؤلاء في السجون على غرار ما يحصل بالدول التي تحترم نفسها، فهل يعقل ان يسطر بصاحب «موتو» محضر ضبط يفوق ثمن هذا «الموتو» أو يزج به في السجن بحجة عدم تسجيله ويترك من يضع يده على الآلاف من الأمتار على الأملاك العامة بحرية كانت أم نهرية أم على مستوى المشاعات العائدة للدولة؟ إن خارطة الطريق المؤدية إلى الإصلاح ومكافحة الفساد ووقف الهدر واضحة وضوح الشمس وكل اللاهثين لمد اليد إلى جيوب ذوي الدخل المحدود يعرفون المعادل المؤدية إلى تصحيح الوضع والتي تقوم على «شطف الدرج من فوق»، والذين يجلسون حول طاولة مجلس الوزراء بحثاً عن تأمين الأموال لتغطية الموازنة هم امام تحدٍ كبير في الشروع في تحقيق هذه المعادلة البسيطة، وإلا عبثاً التفتيش عن مخارج للأزمة الاقتصادية أو المالية أو تطوير الإدارة والحد من ترهلها، وإذا كانت معظم الحكومات تتموَّل من الضرائب والاستدانة فإن ذلك لا يُمكن ان يرفع شعاراً لتغطية السموات بالقبوات، صحيح ان وضع الموازنات يستلزم وضع ضرائب ورسوم لتمويل ارقامها، وان المشاريع الكبرى في بعض الأحيان تتطلب اللجوء إلى الاستدانة، الا ان هذا الأمر يترافق عند الدول المتطورة مع وضع دراسات وخطط لتوظيف هذه الاموال تزامناً مع تقديم الخدمات للمكلفين، لا ان تذهب هذه الأموال هدراً وسرقة بعيداً عن أية تخطيط وضوابط.