أبعد من مجرد “تساؤلات” تلك التي سيضطر وزير الشؤون الاجتماعية الدكتور هكتور حجار الى تأمين الاجابات عليها في ما يتعلق بمشروع البطاقة التمويلية وموعد إطلاقها. اول مواقفه كان باعلانه أنه “منكب على العمل مع اللجنة الوزارية المؤلفة من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزيري المال يوسف الخليل والاقتصاد أمين سلام من أجل إنهاء آلية ومعايير تطبيق القانون الرقم 230 تاريخ 16/7/2021. فهل يعني ذلك ان العمل سيبدأ من نقطة الصفر على المشروع؟ وكيف أطلق وزيرا الشؤون الاجتماعية في الحكومة السابقة رمزي المشرفية والاقتصاد والتجارة راوول نعمة، بحضور رئيس التفتيش المركزي القاضي جورج عطية بطاقة تمويلية للأسر الأكثر فقراً في لبنان، لكن من دون تحديد تاريخ البدء بالدفع للاسر المحتاجة او سبل تمويل المشروع؟
توافرت البطاقة التمويلية في الاعلام. ولمن يسأل عنها عليه ان يعود بالارشيف الى يوم زفّ مشرفية ونعمة بشراهما الى المواطنين لتكون النتيجة بيع السمك في البحر.
فالوقائع تشير الى ان لا بطاقة تمويلية تلوح في الافق القريب مع اقتراب تاريخ رفع الدعم نهائياً. كأنه كان المطلوب المسارعة الى الاعلان عن الخطوة لغايات مبيتة فيما التمويل لم يؤمّن بعد. والمستغرب ان مسؤولي البنك الدولي شجعوا الدولة على تلك الخطوة مع الوعد بتأمين سبل التمويل في مراحل لاحقة.
وليست مسألة تأمين التمويل العائق الاول، فالآلية اللوجستية لهذا المشروع لم تنطلق بعد وهناك تفاصيل كثيرة لم تنجز بعد. ويقول مصدر مسؤول عن المشروع ان مسألة تأمين الدعم مهمة جداً واذا لم يتوافر التمويل ولم يكن مضموناً فمن الصعوبة ان تبصر البطاقة التمويلية النور. يجب أولاً توافر التمويل للانطلاق الى المراحل التنفيذية”. والى غياب شرط التمويل، ثمة مسألة ثانية مهمة وهي تقرير مجلس شورى الدولة الذي يقول ان لا علاقة للتفتيش المركزي بالدخول في هذا المشروع فلا صفة قانونية تجيز له فتح منصة وهو ادارة رقابية ولا يحق له الدخول في هذا المجال. ويتطرق الى بند ضمان سرية البيانات الوارد في مشروع البطاقة ليقول ان هذا الامر يجب ان يكون محسوماً ومؤكداً، وفي نقطة ثالثة يستغرب وجود مادة تتحدث عن شبكة امان اجتماعي غير معلوم ما هي ويطلب شطبها من نص المشروع. فهل سيتم التغاضي عن رأي مجلس شورى الدولة ام سيتم الالتزام به وهذا هو المفروض ليلغى دور التفتيش المركزي في عملية لا تدخل في صلب اختصاصه وكأن شمله بالمشروع تم لأسباب سياسية؟.
وما يزيد طين البطاقة التمويلية بلّة خلطها مع مشروعين آخرين من دون وجود آلية واضحة للفصل كما كان يفترض. فثمة ثلاثة مشاريع مساعدات هي:
– برنامج الاسر الأكثر فقراً الذي يستفيد منه 35 الف عائلة ويمكن للعدد ان يرتفع الى 100 ألف عائلة، وهو ممول من الاتحاد الاوروبي وكندا وغيرهما اي ان امواله مؤمنة.
– مشروع شبكة الامان الاجتماعي المقدم من البنك الدولي وقيمته 246 مليون دولار.
امواله مؤمنة ايضاً ولكن المشكلة في عدم اطلاق الاجراءات التنفيذية ويمكن ان يستفيد منه نحو 60 الف عائلة.
– مشروع البطاقة التمويلية وامواله غير مؤمنة لغاية اليوم.
تم جمع البطاقة التمويلية مع البرنامج الممول من البنك الدولي في منصة واحدة بدون ان تحدد آلية للتفريق بين الاثنين وآلية اختيار الاسر التي تستفيد من هذا المشروع او ذاك وهو ما يعتبره القيمون على تنفيذ هذه المشاريع “خطأً فادحاً يعرض المشروعين للخطر، اذ كيف يتم دمج مشروع تمويله مؤمن مع آخر يفتقد الى التمويل؟
كان من المفترض ان تسبق انطلاق البطاقة التمويلية خطوة الدولة لرفع الدعم نهائياً فتحد من ارتداداته الاجتماعية الكارثية لكن ما حصل ان رفع الدعم صار في مراحله الاخيرة بينما البطاقة التمويلية اطلقت في الاعلام وتمويلها لم يتأمن بعد، ما عزز مخاوف المعنيين من ان يكون الهدف الاهم في كل ما جرى هو الحصول على داتا المعلومات. وهذه مسألة في غاية الخطورة. ويجزم مصدر مسؤول من المشرفين على المشروع من بداياته ان جميع الاطراف المعنية بالمشروع من البنك الدولي الى التفتيش والجهات الحكومية المحلية كان هدفها الحصول على داتا المعلومات التي تم تجميعها من خلال الاستمارات التي وزعت على الاسر وعددها مئات الآلاف وتتضمن معلومات في غاية الدقة عن كل اسرة بتفاصيلها الحياتية ومستوى معيشتها ومدخولها وحساباتها في المصارف ومثل هذه المعلومات تشكل ثروة بمئات مليارات الدولارات لكل من يحصل عليها بحيث يمكن توظيفها لغايات مختلفة لا سيما على ابواب الانتخابات النيابية.
سيكتشف الوزير الجديد مدى الفوضى التي اعترت العمل على مشروع البطاقة في مراحله الاخيرة وسيكون عليه معالجة الشوائب بشفافية مطلقة ذلك ان علة بعض الوزراء هي في تغليب العمل السياسي على الفائدة الاجتماعية ناهيك عن افادة الحاشية المحيطة بهم. حتى الساعة لا بطاقة تمويلية اذاً ولا من يحزنون لذلك سيكونون كثراً خاصة مع رفع الدعم نهائياً وتزايد معدلات الفقر والعوز بين المواطنين. متى توافر المال صارت البطاقة في متناول الاحوج اليها لكن ماذا لو ربط مصيرها بالاصلاحات المالية او تم تجيير اموال مشاريع اخرى الى حسابها خاصة كالاموال المخصصة لخطة النقل مثلاً او غيرها من المشاريع؟ مثل هذا الاحتمال وارد اللهم الا اذا حققت هذه الحكومة فرقاً في الاداء والشفافية.