ليس طبيعيا ألاّ تشهد البلاد انفجارا اجتماعيا نتيجة تردّي الوضع المعيشي الى مستويات متدنية بلغت درجة عدم توفر الامن الغذائي والصحي للمواطن الذي فقدَ أبسط حقوقه في العيش، إن من ناحية تأمين مياه صالحة أو كهرباء أو دواء او استشفاء. ما وصلت اليه البلاد من فقر وفقر غذائي، يستدعي الثورة والاحتجاج والعصيان.
وصل الدولار الى 25 الف ليرة، وربطة الخبز اصبحت بـ10 آلاف ليرة، والمياه مقطوعة والكهرباء شبه مقطوعة، والاسعار لم تعد قادرة على مواكبة وتيرة تحليق سعر الصرف الصاروخية. في المقابل، لا بصيص أمل في الافق سوى الوعود الواهية غير القابلة للتنفيذ طالما ان جلسات الحكومة معلّقة والأزمة السياسية على حالها.
قد يمثل اقتحام مجموعة من الثوار وزارة الشؤون الاجتماعية امس، بداية انفجار اجتماعي لن تستطيع السلطة تداركه في حال انطلقت شرارته قبل البدء بإجراءات فعلية ودعم المواطنين ماليا والتعويض عن تراجع قدرتهم الشرائية بأكثر من 90 في المئة، وفقدان رواتبهم وأجورهم قيمتها. هذا الامر قد يولّد تفلّتا أمنياً في حال استمرّت المراوحة السياسية والحكومية، فوزير الشؤون الاجتماعية ما زال يؤكد للمجموعة التي اقتحمت الوزراة ان البطاقة التمويلية سيبدأ التسجيل لها اوائل الشهر: «كمّلت اللي لازم يتكمّل»، وسأزور رئيس المجلس النيابي نبيه بري وأطلب منه إذا كان هناك بالامكان بدء التسجيل في بداية الشهر».
ويضيف ان «الإعلام يُحرّف الحقائق ويصوّبها نحو مكان آخر»، علما ان تمويل البطاقة التمويلية غير متوفر لغاية اليوم، والبنك الدولي الذي تحاول الحكومة إقناعه لتمويلها، ما زال يرفض هذا الامر، ويشترط قبل القبول استخدام جزء من اموال القرض الممنوح من قبله للنقل العام في بيروت، ان تنطلق الحكومة في تنفيذ مشروع دعم انشاء شبكة الامان الاجتماعي البالغة قيمته 246 مليون دولار والذي يحتاج الى اقرار تعديلات على قانونه في مجلس النواب. وهذا ما ذكره أيضا الوزير امس، قائلا: «نتشاور مع البنك الدولي ووزارة المالية ورئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي بشأن تمويل البطاقة التمويلية وأنا جزء من التفاوض».
تابع: في القانون 219 هناك اتفاقية بين البنك الدولي والدولة اللبنانية، وقد عدّل مجلس النواب الاتفاقية ولم يقبل بها البنك، ثم تمّ إصلاحها ولم تمرّ بالمجلس في الجلسة الأخيرة وهذا هو سبب التأخير في إطلاق منصة التسجيل للبطاقة التمويلية، واذا أخذنا موافقة استثنائية من الرئيس بري سنبدأ فوراً».
للتوضيح، انّ الحجار يحاول خلط الامور، لأنّ القانون 219 هو قانون اتفاقية القرض بين لبنان والبنك الدولي للإنشاء والتعمير لتنفيذ المشروع الطارئ لدعم شبكة الأمان الاجتماعي بقيمة 246 مليون دولار، ولا علاقة له بقانون البطاقة التمويلية بل انه مشروع آخر تم تحضير الارضية له في وزارة الشؤون الاجتماعية قبل استلام الوزير الحالي، وهو يهدف الى دعم الاسر الاكثر فقراً (حوالى 147 ألف أسرة).
مع الاشارة الى ان مجلس النواب أقرّ قانون البطاقة التمويلية في تموز الماضي، والذي نصّ على استهداف 500 ألف عائلة بقيمة إجمالية تبلغ 556 مليون دولار على مدى عام واحد. وهي الكلفة غير المتوفرة التي تحاول الحكومة تأمينها.
فلماذا ما زال المسؤولون يضللون المواطن ويضحكون عليه؟ هل هم خائفون من اعلان الحقيقة ان لا برنامج دعم سوى مشروع البنك الدولي الذي سيستهدف، عند اقرار قانونه والبدء به، 147 الف عائلة فقط، في حين ان الشعب اللبناني بأكمله بات يحتاج الى الدعم؟
إقتحام وزارة الشؤون
وكانت مجموعة من الثوار قد اقتحمت امس وزارة الشؤون الاجتماعية، مطالبة بلقاء الوزير هكتور حجار والتحدث اليه من اجل انشاء غرفة طوارئ بعدما وصلت البلاد الى حد لا يمكن تحمله بسبب الانهيار الاقتصادي وارتفاع سعر صرف الدولار.
وقلبَ المعتصمون في وزارة الشؤون الإجتماعية صورة رئيس الجمهورية في قاعة الإجتماعات، وأزالوها من قاعة الإجتماعات ووضعوا مكانها لافتة تحمل شعار ثورة 17 تشرين. ثم خرج الحجار للقاء المعتصمين وطلب منهم اولاً اعادة صورة رئيس الجمهورية الى مكانها.
وقال في موضوع المؤسسات الداعمة لذوي الاحتياجات الخاصة: «انا اول من يسند هذه المؤسسات والجمعيات وعليكم توجيه السؤال لها، فهي تجيبكم على انني اقف الى جانبها وقد زرت معها البطريرك الراعي وانا اول من يطالب بإعادة اموالها وبحقوقها وبعقودها».
اضاف: «أعمل يداً بيد مع الجمعيات لمتابعة موضوع أموالها وعقودها وأنا السند الأول في هذه القضية الاستراتيجية. جمعية المصارف أبلغتني أنّ هناك صعوبة في صرف أموال أكثر من المبلغ الحالي للجمعيات ونحن نتابع هذا الموضوع».
وقال حجار: «أنا الوزير الذي يعمل 24/24 في وزارة الشؤون الاجتماعية بشهادة الجمعيات والمنظمات الدولية».
أضاف: «انطلقت ورشة الـ75 ألف عائلة وسنزور 130 ألف منزل في إطار مشروع العائلات الأكثر فقراً. في 11 عاما، استطعنا تأمين 36 ألف عائلة وعندما استلمت الوزارة حولّت الدفع من الليرة الى الدولار والآن سنزور 75 ألف عائلة لدفع حوالى الـ12 مليون دولار للأسر الأكثر فقراً والأموال هي هبة دولية».