لم تكذّب بقايا السلطة الأسدية خبراً قبل الآن، ولن تفعل الآن. بل بالأحرى والأصح، ستكثّف في آخر ايامها ما كانت تفعله في بدايات الثورة الشاملة عليها، وستذهب في اعتماد التخريب العدمي الممنهج، إلى أماكن، ما كان في ظنّ أحد، انها لا تزال مرتعاً للطغاة الآتين من القرون الوسطى، في الربع الاول من القرن الحادي والعشرين.
هذه سلطة لا تضع أي سقف لممارساتها المخزية. ولا تتورع عن القيام بأي شيء، أي شيء، مهما كان حيوانياً وشيطانياً وعبثياً، من أجل محاولة إنقاذ نفسها، وتأكيد مقولة «الأسد أو نحرق البلد».. أو تنفيذ ذلك الوعيد الشهير الذي نُقل عن لسان رأس السلطة بعد فترة وجيزة من اندلاع الثورة في درعا وتمددها إلى مناطق أخرى، والذي قال فيه ما معناه، ان محاولة اسقاطه ستعني إشعال المنطقة (بالحرب المذهبية) من البحر المتوسط إلى بحر قزوين!
وضربٌ من العبث وتضييع الوقت، صار النقاش عن البذرة التي أنتجت «داعش»، أو عن اسباب ذلك الانفجار الواسع للجماعات التكفيرية الارهابية في العراق وسوريا.. أو ملاحقة التفاصيل المتفرقة التي تراكمت منذ «سقوط» الموصل في حزيران الماضي، وكيف قفز «داعش» إلى الواجهة بلمحة بصر. وكيف غنم ما غنمه من سلاح وعتاد يكفي جيشاً (هو الجيش العراقي!) وكيف وصل بسرعة البرق إلى الرقّة، وكيف غاب ثم عاد وأخذ تدمر بكل ما فيها من عتاد حربي تركه خلفه (أيضاً) جيش الأسد عندما انسحب من المدينة التاريخية وسلّمها باليد! وكيف ان كل معارك هذا التنظيم «الأسطوري» لا تُخاض إلا ضد قوى المعارضة السورية، وكيف انه لا يفتك فتك الوحوش الا بالمكوّن السني، وكيف انه (على سبيل المثال) لم يتعرض لغير الأقلية الايزيدية الصغيرة والمستورة.. وليس بهدف التنكيل «الجهادي» بها، بل بهدف جعلها أمثولة لرعب، مطلوب أن يُعمّم على العالم لوضعه وجهاً لوجه أمام قصة البديل الأكثر رعباً من الأسد المرعب! وكيف انه تمدّد في المناطق المفتوحة شمالاً وشرقاً، وعجز عن أخذ موطئ قدم في المنطقة الجنوبية المغلقة، قبل ان يتبيّن في هذه الايام، ان له مجموعات تستعد للعمل في المناطق المحاذية لجبل العرب! وكيف ان الوثائق التي عُثر عليها في احدى القرى في ريف حلب تكشف عن هيكلية تنظيمية منسوخة عن هيكلية اجهزة الاستخبارات السورية والبعثية العراقية.. وكيف انه تمكن من اختراق بعض فصائل المعارضة في ادق مفاصلها ومراتبها وبنيتها. وكيف أنه، في البداية والنهاية، لم يخض معركة حقيقية وفعلية واحدة ضد قوات الأسد وملحقاتها وصولاً إلى جرود القلمون المحاذية للحدود الشرقية اللبنانية!
وضربٌ من العبث، المحاججة في ما إذا كانت سلطة الأسد، باعتبارها صارت جزءاً من القوس الإيراني وتخضع لمتطلبات أصحابه في طهران، تضع أي لجام يمنعها من العمل حيث لا تزال قادرة، ومن التخطيط الفتنوي المستمر وترك التنفيذ لأدواتها حيث لا تكون موجودة مباشرة، من اجل إحراق ما بقي من أخضر سوريا، أو مد الحريق إلى لبنان، أو التآمر التخريبي على الأردن، أو محاولة المسّ بالأمن القومي التركي، أو تنسيق الارهاب الذي يطال دول الخليج العربي.
من لا يكذّب خبراً من ذلك كله، لن يكون غريباً عن مجزرة «قلب لوزة» في ريف إدلب، ولا عن توقيتها المريب، ولا عن كونها تخدم نهجه التخريبي الفتنوي العام، وسعيه إلى «الردّ» على اسقاط «اللواء 52» وتنامي الوعي عند الموحّدين الدروز باتجاه الابتعاد عنه وعن مصائبه وارتكاباته وجرائمه!
مجزرة «قلب لوزة» أصولية الشكل، أسدية المضمون والهدف!