كيف تؤثّر مواقع التواصل الاجتماعي على عمل السياسيين؟ وكيف يؤدي الرضوخ لمطالب الناس إلى السير في قرارات غير سليمة، قد تفاقم المشكلة عوض معالجتها؟ التعامل مع الحريق المندلع في صوامع القمح في مبنى الأهراءات في مرفأ بيروت، يجيب على هذين السؤالين
ثلاثة وزراء، ثلاثة نواب، ومحافظ، اجتمعوا في صورة واحدة مساء الجمعة الفائت، مع عدد من أهالي ضحايا المرفأ، للإعلان عن “توافق على إطفاء النيران بالتعاون مع الجيش!”.
والمقصود بالنيران، هو الحريق المشتعل منذ 13 تموز الجاري في صوامع القمح في مبنى الأهراءات.
إعلان لافت، خصوصاً أن ثلاثة على الأقلّ من الموجودين في الصورة سبق أن أعلنوا عدم القدرة على إخماد هذه النيران، بل استحالتها.
لكن، بما أن أهالي ضحايا المرفأ استصرخوا نوابهم، وبما أن النائب ملحم خلف لا يردّ لأبناء مدينته طلباً، استدعى الوزراء ناصر ياسين، علي حمية، أمين سلام، ومحافظ بيروت مروان عبود إلى المرفأ ليوصل إليهم الشكوى في حضور النائبتين نجاة عون وسينتا زرازير، ليطالبهم بإيجاد حلّ أعلن عن التوصل إليه في تغريدة أولى، أتبعها في اليوم التالي بصورة لطوافة تابعة للجيش اللبناني تلقي المياه فوق مبنى الأهراءات، موجهاً شكره إلى “قائد الجيش جوزاف عون على استجابة الجيش السريعة في إخماد الحرائق في الأهراءات، وكلّ من تابع هذه القضية، في ضوء التوافق الذي حصل بالأمس مع الوزراء المعنيين ومحافظ بيروت”.
الحريق مستمرّ
بدورها، وجّهت النائبة بولا يعقوبيان، تحيتها إلى “الجيش اللبناني الذي لبّى النداء وقام بعملية إخماد النيران”، وذلك بعدما دأبت على نشر تغريدات وصور عن حريق المرفأ في إطار شعارات اتهامية من قبيل “يمحون ذاكرتنا ومعالم جريمة العصر، وقاحة تفوق ارتكاباتهم”.
حصل هذا قبل ثلاثة أيام، لكنّ النيران المشتعلة في المبنى لم تنطفئ بعد. ما انطفأ هو التغريدات. لم يجد كلّ من خلف ويعقوبيان ضرورة للتوضيح لمتابعيهما الذين أغرقوهم باللايكات أو التعليقات، أن الخطوة التي أصرّا على القيام بها كانت شعبوية بامتياز، وأن المياه التي رمتها طوفات الجيش اللبناني لم تفعل إلا كان متوقّعاً منها أن تفعله… زيادة ضراوة النيران.
اللافت أن “التوافق” الذي أعلن عنه خلف، تمّ في حضور أشخاص يدركون تماماً هذه الحقيقة وهم وزير البيئة ناصر ياسين، وزير الأشغال علي حمية، والنائبة نجاة عون، الذين تواصلت معهم “الأخبار” للسؤال عما حصل فيما تعذّر التواصل مع البقية.
عون: أعرف ولكن
بل إن الأخيرة كانت قد زارت المكان قبل أيام، ونشرت على صفحتها على تويتر بياناً موقّعاً باسم “حزب تقدّم” يؤكد صعوبة إخماد الحريق “بالمياه أو بأي وسائل أخرى”، وأكد البيان أن “الغازات الموجودة لا تشكل خطورة على صحة القاطنين في بيروت والجوار”. وهي أكدت الأمر لـ”الأخبار” بقولها: “صحيح، المياه تزيد من الرطوبة والاشتعال”، مبرّرة مشاركتها في صورة المرفأ “لم يكن بالإمكان ترك الحريق. ولذلك وضعنا بعهدة وزير البيئة والوزراء المعنيين الوصول إلى حل. ما يهمنا بصفتنا نواباً هو إطفاء الحريق. يريدون أن يشكلوا لجنة تقنية أو أن يتواصلوا مع الجيش، المهم بالنسبة إلينا أن يُطفأ هذا الحريق”.
حمية: اقترحوا ووافقت
من جهته، يوضح وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية أنه توجه إلى المرفأ بعد اتصال تلقّاه من خلف “وبعدما عرفت بوجود نواب يمثلون السلطة التشريعية في المكان. شرحت لهم الأمر وكرّرت ما سبق وقلته إن معالجة هذا القمح وبناءً على تقارير الخبراء المحليين والأجانب تستدعي حلاً من اثنين: الأول ترك القمح يحترق إذ لا يمكن إطفاؤه بالمياه خصوصاً أن الأخيرة تعزّز إمكانية التخمّر ومن ثم الاشتعال مجدداً. والثاني هو كسر الصوامع من الأسفل عندها يخرج القمح ويتعرّض للشمس ويجفّ”. موضحاً أن الحلّ الثاني “غير ممكن حالياً، لأنه يتطلّب استراتيجية مبنية على دراسة متكاملة تُجرى بالتنسيق مع وزراء الاقتصاد والبيئة والدفاع ومجلس الإنماء والإعمار، بإشراف مجلس الوزراء”.
ترى يعقوبيان أن الحريق المندلع في صوامع القمح هدفه محو ذاكرتها
لكن كيف تم التوافق على الطلب من الجيش إطفاء الحريق؟
“اقترحوا ذلك ووافقت مع الوزراء الباقين، تواصلنا مع قائد الجيش وسألناه إن كان يمكن إطفاؤه من فوق. وفي اليوم التالي، حلّقت طوافات للجيش لإطفاء الحريق، وكما توقّعت زاد الحريق اشتعالاً، وأبلغتنا قيادة الجيش بأن الأمر لم ينجح”.
البيئة: محاولة لم تتكرّر
لم نستطع التواصل مع الوزير ياسين، لكنّ مستشاره ورئيس اللجنة العلمية لمعالجة الحبوب في مرفأ بيروت الدكتور محمد أبيض كرّر ما سبق وصرّح به لـ”الأخبار” قبل أيام عن أن المياه تزيد من فداحة النيران “وهذا رأي الوزير أيضاً، ما حصل أن قيادة الجيش قامت بمحاولة لم تتكرّر، خصوصاً أننا تواصلنا مع المعنيين في القيادة وشرحنا لهم خطورة إطفاء الحريق بالماء والدليل أنّ الحريق اشتدّ ليلاً”.
خلف: لبّينا طلب الأهالي فلماذا حصل ما حصل؟
يوضح خلف أنه توجّه إلى المرفأ ذلك المساء، بعد مطالبة عدد من أهالي ضحايا المرفأ له بالتدخل، “معربين عن خوفهم وقلقهم من استمرار الحريق الذي يخنقهم بدخانه. نزلنا إلى المرفأ وطلبنا من الوزراء المعنيين ومحافظ بيروت أن يحضروا، وقد لبّوا الدعوة مشكورين، وطلبنا منهم أن يأخذوا التدابير الآيلة لإخماد هذا الحريق. وقد اجتمعوا على إثر ذلك واقترحوا أن يتابعوا مع قيادة الجيش العمل على إطفاء الحريق وتابعنا نحن أيضاً مع القيادة”. يتابع: “في اليوم التالي للاجتماع، حضرت الطوافات إلا أن النار بقيت، ولكن نقول إن هذا الأمر يستوجب العلاج. السلطة التنفيذية بيد الوزراء وليست بيد النواب، ولذلك يجب أن يُعالج الأمر من خلالها”.