وسط السجال المتجدّد بين مكوّنات الحكومة المستقيلة حول التعثّر الحاصل في تشكيل الحكومة الجديدة، قالت أوساط ديبلوماسية أن الساحة الداخلية قد عادت إلى حقبة الإصطفافات، ولكن وفق معادلات جديدة ترتكز إلى حسابات الربح والخسارة في المنطقة، وكشفت أن كل ما يسجّل من حملات سياسية على هامش عملية تأليف الحكومة، ليس سوى محاولات لتمرير الوقت، بانتظار استقرار المشهد الإقليمي، وهو ما لن يتحقّق في مدى منظور.
وعليه، فإن الأوساط نفسها، تحدّثت عن حراك حكومي يسير على إيقاع التطورات الإقتصادية، إذ أن أي خطوة مرتقبة على مستوى السلطة التنفيذية والتشريعية، تبقى رهينة الإستحقاقات المالية للدولة، وبالتالي، فإن الملف المالي سيشكّل العنوان الأبرز مع بداية العام الجديد، على أن يبقى عنوان تأليف الحكومة معرّضاً للتجاذبات التي ترتدي في كل مرة طابعاً مختلفاً. وفيما لا يزال الحراك العالمي للرئيس المكلّف سعد الحريري، بعيداً عن إطلاق صفارة البداية بالنسبة لحلّ العقدة الأخيرة التي تعترض ولادة حكومته العتيدة، فإن الأوساط ذاتها، اعتبرت أن المشكلة لم تعد تقتصر على اعتراف الرئيس المكلّف بتمثيل «اللقاء التشاوري»، بل باتت موزّعة على كل الأطراف، في ظل عملية تبادل الرسائل «الهادئة» في الوقت الراهن ما بين المعنيين بتسوية العقد الحكومية.
وأوضحت الأوساط عينها، أن كرة النار المتمثّلة بالثلث المعطّل الذي بات «قميص عثمان التعطيل» الحكومي، تنتقل من فريق إلى آخر، مما يجعل من المسؤوليات مشتركة في التعثّر الحاصل على الساحة الداخلية. وتخوّفت هذه الأوساط، من انعكاس مجمل هذا المشهد السياسي على الواقع الإجتماعي، وبشكل خاص على الإستعدادات الجارية لاستضافة القمة العربية الإقتصادية بعد أيام، وذلك من دون أن يتم سحب ملف الدعم الدولي أيضاً من التداول، وذلك على الرغم من التوافق الخارجي على وجوب إبقاء الوضع المالي مستقرّاً، وكذلك الوضع الأمني، للحؤول دون أي اهتزازات أمنية قد تجد سبيلاً إلى الشارع، لا سيما مع عودة التظاهرات والإحتجاجات التي ترفع شعارات سياسية غابت طويلاً عن التداول، وطبعت مراحل سابقة اتّسمت بالعنف وبالإنقسامات.
وانطلاقاً من واقع الأزمة الحكومية المفتوحة، فإن فكرة انعقاد مجلس الوزراء الحالي لمناقشة الموازنة وإقرارها، لم تعد تلاقي أي اعتراضات هامة، حيث أن الأوساط نفسها كشفت عن أن المقاربة الدستورية لهذا الطرح، تبيح الوصول الى هذه الخطوة، وذلك في حال كان الوضع المالي خطراً، ولكن شرط توافر الإجماع ما بين رئيسي الجمهورية والحكومة المستقيلة والمجلس النيابي، وهو ما قد يتحقّق في الأسابيع المقبلة في حال استمرّ الإنسداد والجمود في الحائط الحكومي.
وفي السياق نفسه، قالت الأوساط، أن الأجواء غير تفاؤلية حتى الآن، وأن عقدة التمثيل السنّي لا تزال في واجهة المشهد السياسي، بينما في الواقع، فإن عقداً أخرى قد ظهرت خلف الكواليس الحكومية، وهي التي يجري التداول بها بعيداً عن الأضواء، ولا تزال إلى اليوم تحول دون حصول أي تطوّر إيجابي يسمح بالحديث عن حصول إيجابيات على خط التشكيل الحكومي المنتظر منذ ما يزيد عن ثمانية أشهر.