عندما رفض رئيس “تكتل التغيير والاصلاح” العماد ميشال عون الرد على اسئلة الصحافيين بعد الانتهاء من تلاوة اقتراحاته الأخيرة في شأن الاستحقاق الرئاسي “في انتظار ردود الفعل على تلك الاقتراحات”، كما قال لسائليه قامعاً بعضهم بإعلان “انتهاء السؤال”، بدا واضحا أن الجنرال يدرك سلفاً طبيعة ردود الفعل المحتملة، ومن البديهي القول انه يعرف تماماً انها ستكون سلبية، ولا سيما أن اقتراحاته ليست جديدة فقد سبق ان عرضها أكثر من مرة على مراحل، ولم تكن ردود فعل الكتل النيابية على اختلافها لمصلحة تلك الاقتراحات، ولم يطرأ اي تغيير على مواقف اصحابها، من جهة، ومن جهة اخرى، فإن أقل ما تتطلبه تلك الاقتراحات هو اجراء تعديل دستوري، فهل هذا ممكن في المرحلة الحالية؟ واذا كان التعديل متيسِّراً، فهل يقتصر على الشق المتعلق بآلية انتخاب رئيس الجمهورية أم ان هناك اقتراحات تعديل أخرى سيعلن عنها المطالبون بها على اختلافهم؟ وهل تعديل الدستور يكون بهذه السهولة و”غب الطلب” وعلى خلفية ظروف شخصية سياسية معيّنة؟
وفي السياق نفسه، ثمة اسئلة تطرح على خلفية الاقتراحات العونية، ومنها: هل يستمر الجنرال في اقتراحاته اذا تم تأمين انتخابه رئيسا للجمهورية بقدرة قادر؟
وإذا سلّمنا جدلاً تلك الاقتراحات وتمت التعديلات الدستورية المطلوبة، فماذا لو انتخب اللبنانيون المسلمون الذين تعطيهم الاقتراحات حق اقتراع من الدرجة الثانية، أي أن يختاروا أحد المرشحين اللذين يختارهما اللبنانيون المسيحيون في مرحلة أولى، “المرشح الأضعف” وفق التصنيفات الرائجة هذه الايام؟ واذا سلمنا جدلاً بأن عون يضمن اكثرية الاصوات التي يؤمنها حلفاؤه في “حزب الله” خصوصاً، فمن يضمنها في ظروف سياسية مختلفة؟
ولئن يكن الجنرال يعرف مسبقاً طبيعة ردود الفعل على اقتراحاته، ولا سيما من “الفريق الآخر” في قوى 14 آذار، فهل يضمن تأييدا لاقتراحاته من حلفائه وفي طلعتهم “حزب الله”؟ تجدر الاشارة هنا الى أن الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله لم يعلن تأييده اقتراحات حليفة، وقد تطرق اليها في خطابه الأخير، اذ اكتفى باعتبارها جديرة بالنقاش والاهتمام، داعياً الى الاستماع الى الجنرال وعدم ادارة الظهر لاقتراحاته أو تجاهلها، وهو موقف طبيعي بين حليفين، وربما بدا أقل من طبيعي في هذا الاطار، اذ ان الموقف الطبيعي هو اعلان تأييدها شرط ان يكون صاحبها قد تشاور في مضمونها مع الحلفاء، فهل اطلع عون نصرالله على هذا المضمون في لقائهما الاخير؟ وما هي الخطوة التالية بعد ردود الفعل المعروفة سلفاً؟ وما هو الرأي القانوني فيها؟
يقول مرجع دستوري: “من حيث المبدأ، يثير اقتراح انتخاب رئيس الجمهورية من الشعب مشكلة اساسية في ظل عدم التوازن الديموغرافي بين المسيحيين والمسلمين بحيث يمكن أن يطغى الصوت الاسلامي على الصوت المسيحي، ولا سيما ان البند المتعلق بإلغاء الطائفية السياسية في اتفاق الطائف لم ينجز بعد. واذا كان عون قد احتاط لهذه المشكلة باقتراحه اجراء الانتخابات على مرحلتين بحيث يعطى الخيار الاول للمسيحيين وللبنانيين عامة في المرحلة الثانية، بما يجعل ارادة الناخب المسيحي متقدمة في اختيار مرشحين في المرحلة الاولى، فان المشكلة تكون، من جهة أولى، بأنه يبقى للمسلمين ترجيح احد المرشحين على الآخر بفعل أكثرية الاصوات، ومن جهة اخرى، بأن اجراء الانتخابات على مرحلتين يكون فيها للمسيحيين اختيار مرشحين ليختاروا مع سائر اللبنانيين أحدهما، هو أمر مخالف للدستور ولا سيما لمبدأ مساواة المواطنين أمام القانون، ويميز بين المواطنين في حق التصويت الذي يعطي ارجحية لجهة اخرى، اذا هذه الخطوة تتطلب تعديلاً دستورياً وهذا غير متيسّر في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان، وفي ظل الانقسامات الحادة سياسيا، وطائفياً ومذهبياً”.
وسط هذه الأجواء، يبقى الاستحقاق الرئاسي الذي تحل بعد خمسة ايام الذكرى السنوية الاولى لتعطيله، هو الاساس، ويبقى انتخاب رئيس للجمهورية الخطوة العملية الاولى للخروج من الحلقة المفرغة التي زجت فيها البلاد نتيجة وضع الاستحقاق الرئاسي في الأسر، لغايات شخصية ولحسابات اقليمية…
وأياً تكن حجج الكتل التي تعطّل النصاب القانوني لجلسات الانتخاب، فإنها تبقى واهية نظراً الى الطابع الشخصي الذي تتم به، والذي بلغ ذروته بالقول: “تريدون رئيساً للجمهورية؟ ما عليكم سوى انتخاب العماد عون؟!
مرتا مرتا… تهتمين بأمور كثيرة والمطلوب واحد!