بعد أسبوعين، في 25 ايار، تحل الذكرى السنوية الاولى للفراغ في رئاسة الجمهورية نتيجة عدم انتخاب رئيس بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان، لأسباب يفسرها كل فريق سياسي على طريقته ووفق حساباته ومصالحه، ولكنه في النهاية الفراغ… تعددت الاسباب والفراغ واحد! وتتحمل مسؤولية وقوعه الطبقة السياسية عموما والطرف الذي يعطل جلسات الانتخاب بتعطيل النصاب، خصوصا. وللمناسبة، فان فريق 14 آذار سجل أكثر من عتب على البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي عندما “وبّخ” النواب من دون استثناء، لتقصيرهم في القيام بواجبهم، لافتا الى أنه (فريق 14 آذار) يشارك من خلال تكتلاته النيابية في جلسات الانتخاب التي يدعو اليها رئيس مجلس النواب نبيه بري. وفي ظل المشهد السياسي الحالي تبدو حجة هذا الفريق أقوى من حجة فريق 8 آذار الذي يعطل الجلسات من خلال تغيّب كتلتي “الوفاء للمقاومة” و”التغيير والاصلاح” التي يترأسها المرشح العماد ميشال عون، وتعطيل النصاب. ومن هنا يبدو واضحا أنهما يتحملان مسؤولية استمرار الفراغ، مع الاشارة الى ان احدى كتل هذا الفريق، وهي “التنمية والتحرير” التي يترأسها رئيس مجلس النواب، تشارك في الجلسات، اذ ليس في استطاعتها عدم تلبية دعوة رئيسها، لكنها نظريا تلتزم موقف الفريق الذي تنتمي اليه، وإن يكن معروفا لدى الجميع ان بري من دعاة انتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت، وانه يدعم احد المرشحين التوافقيين، ويدعو الى معالجة العقبات “الشخصية” التي تحول دون إجراء الانتخابات.
وأما الموقف المعلن للفريق الذي يعطل النصاب القانوني للجلسات، وفي طليعته “حزب الله”، فخلاصته ان المناخ السياسي الحالي غير ملائم لضمان انتخاب مرشحه العماد عون، وأنه جاهز للحضور وتأمين النصاب فور ضمان انتخابه. وفي المقابل يحمّل فريق 8 آذار، فريق 14 آذار مسؤولية التعطيل، اذ “يتبنى مرشحا استفزازيا هو سمير جعجع”. ربما كانت تلك الحجة لتعطي ثمارها، لو لم يعلن جعجع نفسه انه مستعد لإعلان انسحابه فور التفاهم على مرشح توافقي، وهذا الموقف لجعجع جعل حجة فريقه أقوى لجهة من يتحمل مسؤولية تعطيل انتخابات الرئاسة.
ويرى مرجع سياسي مستقل أن “أغرب المواقف هو ذاك الذي يتلخص بما يأتي: تريدون رئيسا للجمهورية؟ ما عليكم سوى انتخاب ميشال عون! وان الفريق صاحب هذه النظرية (رددها أكثر من مسؤول في “حزب الله”) غير مقتنع بأحقيتها، لافتا في الوقت نفسه الى أن من حق عون كرئيس لكتلة نيابية وازنة ان يكون أحد المرشحين للرئاسة، ولكن ليس من حق أحد على الاطلاق تعطيل الانتخابات وزج البلاد في الفراغ، اذا لم يضمن وصول مرشحه!
واذ يستغرب المرجع الدفاع عن هذا الفريق بقول محدثه إن العقبات الحقيقية اقليمية وراءها ايران والنظام السوري، يعتبر هذا الدفاع “حجة بالزائد” ضد فريق 8 آذار اذ يشكل إدانة له واتهاما بأنه ينفذ رغبات ايرانية – سورية. مع الاشارة هنا الى اتهام مماثل لفريق 14 آذار بأنه ينفذ رغبات اقليمية أخرى، وذلك استنادا الى ما تردد عن “فيتو” على ترشيح عون وضعه وزير الخارجية السعودي السابق سعود الفيصل، وقد أصبح “سابقا” الآن، فاذا كان ذلك الفيتو صحيحا، يفترض أن “يُجدد” أو يسقط…
وهكذا، في ظل الاتهامات المتبادلة بين فريقي 8 و14 آذار يستمر التعطيل وتبقى الجمهورية بلا رئيس، وما أشبه اليوم بالبارحة! قبل ربع قرن، عام 1990 كان العماد عون متمترسا في القصر الجمهوري رافضا إخلاءه بعدما سكنه رئيسا لحكومة انتقالية اثر انتهاء عهد الرئيس أمين الجميل، ورافضا الاعتراف برئيسين للجمهورية هما الشهيد رينه معوض الذي سقط ضحية جريمة تفجير استهدفته، والرئيس الراحل الياس الهراوي، وها هو اليوم يتمترس في الرابية، رافضا، بمؤازرة من حليفه “حزب الله” اجراء الانتخابات الرئاسية اذا لم تضمن وصوله! يكرر المرجع نفسه بعد استعراض تلك المرحلة وقد عايشها، بأن “من حق عون أن يكون مرشحا، ولكن لا يحق له ولا لغيره تعطيل البلاد اذا لم يضمن وصوله الى الرئاسة”…
ويختم المرجع بـ”تحدي” الجميع ولا سيما الفريق الذي يتغيب عن جلسات الانتخاب، أن يعطي أحدهم جوابا مقنعا عن الاسباب الحقيقية التي تجعله يتخذ هذا الموقف من انتخابات الرئاسة!