كيف ارتفع عدد الشبكات الإرهابية والموقوفين في لبنان؟ إحصاء رسمي يظهر للمرة الأولى حجم التوقيفات الأمنية وعمليات الجيش ومخابراته في ملاحقة الخلايا الإرهابية
يشكل الاستقرار أحد أهم العوامل الرئيسية التي تتحكم بالوضع الداخلي، وتحول دون وقوع لبنان فريسة الانفجار على غرار ما يجري في الساحات الإقليمية المجاورة.
في الأيام الأخيرة، تخوّفت بعض الأوساط من مغبة ما يجري في سوريا، ولا سيما بعد التدخل العسكري الروسي واحتمالات انعكاسه على الوضع الداخلي. لكن، بحسب أوساط سياسية، فإن الهدوء اللبناني، وإن خرقته توترات كالاشتباكات الأخيرة المحدودة في جرود عرسال أو العبوة التي استهدفت «فان» تابعاً لحزب الله في شتورا الأسبوع الماضي، لا يزال مضبوطاً، بفعل قرار من الدول والقوى التي ترعى إمكان عودة التوتر إلى لبنان. وقرار تفجير الوضع وعودة الساعة إلى الوراء لم يصدر بعد عمّن يملكه.
في موازاة مراقبة ما يجري في سوريا، وفيما يزداد تمسك الأجهزة الغربية وتأكيدها التنسيق المستمر مع الأجهزة اللبنانية، ومدّها بالمساعدات اللازمة لحفظ الاستقرار، شهد الوضع الداخلي ارتفاعاً ملحوظاً في الإعلان المتكرر لتوقيف شبكات وعناصر إرهابية وتوقيف مخلين بالأمن بنحو مطّرد. وبدت لافتةً كثافة أعداد الموقوفين والتنسيق الأمني بين الجيش اللبناني ومخابرات الجيش والأجهزة الغربية في مجال مكافحة الإرهاب، ونوعية العمل الأمني الذي يترجم أسبوعياً عن سلسلة توقيفات في أكثر من شبكة.
«الأخبار» سألت مرجعاً أمنياً رفيعاً في الجيش عمّا يجري من توقيفات، فكشف عن حصيلتها وما يجري على خط التنسيق بين الجيش اللبناني والأجهزة الغربية ومدى التقدم الذي حققه الجيش على صعيد مكافحة الإرهاب.
أولاً: شهدت توقيفات الجيش، منذ عام 2008، تفاوتاً ملحوظاً في أعداد الموقوفين الأمنيين، أي الذين يوضعون في خانة الإرهابيين والمتهمين بجرائم منظمة واعتداء على أمن الدولة. تفاوت العدد يظهر (بحسب الجدول 1) أنّ النسبة ارتفعت تدريجاً من 286 عام 2008 إلى 2030 موقوفاً حتى بداية تشرين الأول الجاري. والملاحظ أنّ العدد ارتفع عام 2009 إلى 1136، وانخفض عام 2012 إلى 848. لكنه شهد ارتفاعاً ملحوظاً بدءاً من عام 2013، ليبلغ ذروته عام 2014 مع 1826 موقوفاً. ولا شك في أن عامل الحرب السورية، وما رافقها من نزوح سوري مطّرد ومن دون رقابة، ارتدّ في صورة مباشرة على لبنان، وكان للوضع الأمني حصة منه في خلال السنوات الأخيرة. والملاحظ أنّ الإحصاء الرسمي يظهر ارتفاعاً في نسبة الموقوفين السوريين، لتبلغ أكثر من تسعين في المئة في بعض الشبكات. وبحسب التعريف المخابراتي لأفعال الموقوفين، يشمل جرم توقيفهم الأعمال الإرهابية المباشرة والتخطيط والتنفيذ والمساعدة اللوجيستية والاتصالات والتمويل ونقل الأموال، إضافة إلى جرائم تمسّ أمن الدولة واستهداف عناصر الجيش وقتاله ونقل أسلحة وتفجير سيارات مفخخة.
قرار تفجير الوضع وعودة الساعة إلى الوراء لم يصدر بعد عمّن يملكه
ولا يقلل المصدر الأمني من خطورة التمويل ونقل الأموال في الأعمال الإرهابية، لافتاً إلى تجاوب مصرف لبنان وشركات نقل الأموال في التدقيق في أي شبهات يمكن أن تحصل جراء تحويلات معنية، من دون إغفال عملية نقل الأموال المباشرة لجماعات إرهابية وملاحقة المشتبه فيهم.
موقوفون إرهابيون
في الحصيلة الرسمية أيضاً، بحسب ما يظهر الجدول رقم 2، يظهر عدد الموقوفين منذ بداية السنة الجارية وحتى أول تشرين الأول الجاري. هؤلاء الموقوفون هم حصراً المتهمون بجرائم إرهابية مباشرة والمنتمون إلى شبكات إرهابية موزعة على عدد من المناطق اللبنانية. وهم موزعون على عدد من السجون منها سجون عسكرية. والعدد المذكور مرتفع نسبياً، ولا سيما لجهة انتماءات الموقوفين إلى عدد من الشبكات والخلايا الإرهابية، إضافة إلى ارتفاع عدد الموقوفين السوريين.
الاستقرار والدعم الخارجي
يتمتع الجيش ومديرية المخابرات باهتمام غربي لافت، ويظهر ذلك في صورة مستمرة من خلال الدعم العسكري والاستخباراتي واللوجيستي الذي يقدم إلى الجيش ومديرية الاستخبارات. وفي الأعوام الأخيرة، توطدت علاقة الجيش والاستخبارات بالأجهزة الغربية، ولا سيما مع الولايات المتحدة التي رفعت أخيراً قيمة مساعداتها للجيش من 100 مليون دولار إلى 150 مليوناً. والثقة التي تبديها الأجهزة الغربية بالجيش واستخباراته، تبدّت أيضاً في أشكال مختلفة من المساعدات اللوجيستية ونوعيتها والتنسيق الدائم ودورات التدريب التي تشمل كل الاختصاصات التي تُسهم في تعزيز جهاز الاستخبارات.
بحسب المصدر الأمني الرفيع، فإن التنسيق والتدريب أظهرا للأجهزة الغربية فاعلية المتدربين وأدائهم العالي، الأمر الذي أسهم في إعطاء صورة أفضل عن العناصر المحترفة التي ترسل في دورات تدريبية.
النقطة الثانية أن المساعدات اللوجيستية استخدمت في مكانها المناسب، الأمر الذي ظهر بحجم التوقيفات والشبكات المتتالية التي يُقبَض عليها. لذا، تتكثف اللقاءات والاجتماعات الدورية ويجري تحديث الأجهزة والدورات التدريبية بين لبنان والخارج.
النقطة الثالثة أنّ الأجهزة الغربية تمدّ الجيش بالمعلومات الاستخباراتية، لكنها لا تمدّه وحده، وهي تعطي المعلومات نفسها لكافة الأجهزة اللبنانية. وهذه الأجهزة هي التي تعمل على الأرض من ضمن فاعليتها وأجهزتها للتأكد من صحة المعلومات ومن القبض على المجموعات الملاحقة.
تنظر هذه الأجهزة بثقة تامة إلى الجيش اللبناني «لأنه الجيش الوحيد في المنطقة الذي لم تخرقه الشبكات الإرهابية، ولم تستطع داعش مثلا أن تجنّد عناصر فيه، وقوة هذا الجيش أن عناصره ينتمون إلى جميع الطوائف والانتماءات الدينية، وهم كلهم يحاربون التطرف والأعمال الإرهابية».
يهمّ الأميركيين والدول الغربية استقرار لبنان لأسباب عملية تتعلق أولاً بسلامة الوضع اللبناني ودور لبنان في المنطقة، وأيضاً لحاجتهم إليه كدولة وحيدة آمنة في منطقة تغلي بالصراعات. بهذا المعنى، إن الديبلوماسية الغربية في كافة الدول المعنية ترعى الاستقرار في الساحة اللبنانية التي تشكل بالنسبة إليها موطئ قدم تتنقل منه وإليه في تحركها في منطقة الشرق الأوسط. هذا الأمر يستفيد منه لبنان حالياً، ويستفيد منه أيضاً الجيش الذي حرصت الديبلوماسية المعنية على تحييده عن خط الصراعات الداخلية وعلى إبراز دوره في مكافحة الإرهاب ومده بالمساعدات اللازمة.