IMLebanon

الامتحان الأول.. للرئاسة!

 

مرّت ذكرى الاستقلال من جديد، هذه المرة بحضور رئيس للجمهورية، رئيس مجلس النواب، وبدلاً من رئيس للحكومة، كان الرئيسان سلام والحريري حاضرين للعرض العسكري والاستقبال في بعبدا، في دلالة على استمرار العرقلة في تأليف الحكومة والتعثر في انطلاقة العهد!

لقد اقتصر الاستقلال هذا العام، كسابقاته، على الاحتفال والأناشيد ورفع الأعلام، إلا أنه أثبت مرّة أخرى أن اللبنانيين غير جديرين بوطنهم وغير مستحقين لاستقلالهم، لأنهم عجزوا عن إدارة بلادهم، والخروج من أزماتهم والتلاقي في منتصف الطريق لبناء الوطن.

لقد استمرت الكيدية السياسية في تعطيل مؤسسات الدولة، حتى لو أنها اليوم تمارس ضد حلفاء الأمس، ويدفع ثمنها الفريق العوني نفسه، من خلال إلحاق الضرر الفادح بالعهد، الذي لطالما انتظره.

وإذا كانت قوة العهد تُبنى عبر تحجيم الآخر والاقتصاص من المختلفين في السياسة، فإن السنوات المقبلة لا تبشر بإمكانية تنفيذ بنود خطاب القسم ولا القيام بالإصلاحات التي تأمل بها اللبنانيون تمهيداً لإعادة بناء الدولة المترهلة والمستنزَفة.

إن الضغط الذي كان يمارسه الفريق العوني، خلال تأليف الحكومات السابقة، لا يمكن أن يستمر اليوم، لأن رئيس الجمهورية، وكما وعد لحظة انتخابه، سيكون على مسافة واحدة من الجميع، وسيفتح كل قنوات التواصل مع جميع الأطراف، في دوره الوطني الجامع الطبيعي، وبالتالي لا يمكن أن يكون طرفاً، ويحاول الحصول على الحصة الأكبر لفريقه، أو أن يستغل وجوده في السلطة لممارسة الكيدية على الخصوم، لأن هذا يعني عزل الرئيس ويفتح الباب أمام التكتلات المعادية للظهور، وبالتالي يضرب الوفاق الآني الذي أوصل الرئيس عون إلى بعبدا، ويزيح الديمقراطية السليمة لتحل مكانها السياسات الكيدية والتحالفات التعطيلية!

وسط هذه الفوضى الداخلية والانصراف المحلي إلى زواريب السياسات الضيّقة والرؤى المحدودة، خطت السعودية خطوات كبيرة عبر زيارة الأمير خالد الفيصل موفداً من الملك سلمان بن عبدالعزيز، وزيارة وزير الخارجية القطري حمد بن عبدالرحمن آل ثاني موفداً من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني نحو تسهيل فتح صفحة جديدة مع الشقيق الأصغر، بعد الأزمة التي تسببت بها مواقف الوزير باسيل في اجتماع جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي وإخراجه لبنان من المظلة العربية، والتي دفع ثمنها غالياً من اقتصاده وتهديداً لمصالحه ومصالح الجالية اللبنانية في دول الخليج، فهل يتلقف المنشغلون بتقسيم الغنائم وتوزيع الحقائب وتحديد الأحجام هذه المبادرات ويتم الاستفادة منها واستثمارها ضمن الخطة المزمعة للنهوض بالاقتصاد وإعادة بناء الدولة وعلاقاتها القوية مع محطيها، من دون إغفال خطاب القسَم الذي وعد بتحييد لبنان عن النيران المشتعلة حوله؟

إن ساعة الامتحان جاءت باكراً، فهل ينتقل العماد ميشال عون من مؤسس للتيار الوطني الحر إلى رئيس للجمهورية اللبنانية، وبالتالي يُعيد لمّ الشمل المتشرذم داخلياً، أم أن نفوذ الفريق المحيط به، ورؤيته المركزة على مصلحة التيار أولاً، ستكون لها الكلمة الفصل في سياسات الجمهورية المقبلة؟

إن لرئيس التيار الحالي هامش حرية في المناورة لصالح فريقه، ولكن من دون أن يمسّ بالمصلحة الوطنية، وعلى الرئيس عون مسؤولية كبرى في توحيد الصف الداخلي، كما وعد أنه «بيّ الكل» بعيداً عن الكيدية والانتقام، فهل كان رهان مَن انتخبه في محله… أم ضاعت تضحياته سدى؟!