النظام السوري و”حزب الله” على تحالف مُزمِن ودائم. لكن ذلك لا يمنع التباين في وجهات النظر وأحياناً الاختلاف. والإثنان يؤدّيان حتماً إلى تفاهم خلافاً لتمنيّات أعدائهما. وفي موضوع ملء الشغور الرئاسي يعتبر الأسد أن نتيجة صراع المحورين الكبيرين الدائر في المنطقة هي التي ستقرّر فتح ملف رئاسة الجمهورية في لبنان، والتي ستحدّد الشخصيّة التي ستترّبع على سدّتها. وهذا يعني أن الكلمة في هذا الاستحقاق ستكون له في نظره اقتناعاً منه بأن وضعه العسكري الميداني قد تحسَّن، وبأن التمسّك بتخلّيه عن السلطة قد زال على الأقل حتى آخر عام 2017، تاريخ انتهاء المرحلة الانتقالية التي يُفترض أن يضع فيها نظام الأسد ومعارضوه أُسس تسوية إنهاء الحرب وبناء سوريا الجديدة. لكنّه يعني في الوقت نفسه أنها ستكون لاعدائه إذا فرضت تطوّرات غير محسوبة إخفاق محاولات التسوية واستمرار الحرب، وعودة خطر الانهيار المفاجئ للنظام إلى حجمه الكبير السابق قبل تدخّل روسيا فلاديمير بوتين لمنع ذلك بطلب من الجمهورية الإسلامية الإيرانية. لذلك فإن “حزب الله” يفضَّل تفاهماً لبنانيّاً لا يرفضه المحوران الكبيران المتصارعان في المنطقة يُنتج رئيساً وحكومة وقانون انتخاب، ويحفظ الاستقرار الأمني على هشاشته إلى أن تنتهي عواصف الحروب وتنجلي الغيوم السوداء.
هل يعني ذلك أن الفشل في ملء الشغور الرئاسي، أو تعمّد الفشل في ذلك عند فريق لبناني أو أكثر، سيهدّد جديّاً الاستقرار الهشّ جداً الذي يعيشه لبنان منذ حصوله قبل نحو 18 شهراً؟
يستبعد متابعون من قرب لـ”حزب الله” وللمحور الإقليمي الذي يُناصره، بل هو جزء منه، وقوع لبنان في اضطراب كبير يضرب الاستقرار المشار إليه أعلاه. إذ لا مصلحة لهذا المحور بضرب الاستقرار اللبناني أو بالأحرى بتحويله فتنة مذهبية وربما حرباً أهلية. كما أن لا مصلحة للمملكة العربية السعودية وللمحور العربي الإسلامي الذي تقود في ذلك أيضاً. ربما تقع تفجيرات قليلة أو أحداث قابلة للاحتواء فالضبط، لكنها لن توصل إلى حروب. علماً أن الأشهر الأولى من السنة الجديدة التي بدأت قبل 19 يوماً ستكون صعبة جداً.
من أين ستأتي الصعوبة؟ يُجيب هؤلاء بأنّ هذا هو سؤال العارف. فعلى أرض لبنان يُقيم مليون ونصف مليون نازح سوري، قسمٌ كبيرٌ منهم ضد نظام الأسد وحلفائه اللبنانيّين، وبعضهم منظّم في تنظيمات تقاتلهما أو نصيرٌ يقدّم لهما ما تحتاجان إليه من خدمات في لبنان، بما في ذلك الاشتباك والاصطدام وتوابعهما. لكنّ الخطر الأبرز في رأيهم يكمن في مقاتلي “داعش” والتنظيمات الارهابية الأخرى، وفي الأجواء الحاضنة الموجودة في مخيّمات فلسطينيّة معنيّة. ذلك أن دحر “داعش” في مناطق سوريا عدة ومنها مُحيط العاصمة دمشق والقلمون سيدفع عدداً من غير السوريّين فيها، وعددهم يراوح بين 20 و30 ألفاً إلى التسلّل إلى لبنان وإلى التخفّي في مخيّمات ومناطق أخرى قد تكون لهم فيها بيئات حاضنة صغيرة. وأمر كهذا في ظل ترهُّل حركة “فتح” في مخيّمات لبنان وانقساماتها، وعدم استعداد “حماس” لمقاتلة أشقائها الفلسطينيّين الإسلاميّين وغير الإسلاميّين، من شأنه الإفساح في المجال أمام أعمال إرهابية لا يمكن التكهُّن بنتائجها. وهذا أمر، يؤكّد متابعو “الحزب” ومحوره الإقليمي من قرب، لا يعني حصوله أن القوى الأمنيّة والعسكريّة اللبنانيّة لم تَقُم بواجبها. فهي تقوم به على أحسن وجه، لكنّ الظروف صعبة “وعلى الكتف حمّال” أو أكثر من “حمّال”، كما يقول المثل. وهذا الموضوع كان محل دراسة مُستفيضة في اجتماع أو أكثر داخل “حزب الله”.
وفي هذا المجال لا يسع هؤلاء سوى التساؤل عن انعكاسات الصراع بل الحرب بالواسطة بين المملكة العربية السعودية والجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة على ساحة لبنان. فالأولى تستعمل هذه الساحة منصّة إعلامية للهجوم على أعدائها في المحور الإقليمي المُواجه لها وحلفائه المحليّين. لكنها لم تقرِّر حتى الآن جعل لبنان ساحة حرب أمنية – عسكريّة طاحنة إلى كونها ساحة حرب إعلامية. وإذا قرَّرت ذلك فإن إيران وحليفها “حزب الله” اللّذان حالا دون انتقال نار الحرب السوريّة إلى لبنان لعدم وجود أي مصلحة لهما في ذلك وساعدهما بذلك أخصامهما اللبنانيّون الذين لا يرتاحون إلى “داعش” وأمثاله، فإنهما سيدخلان ساحة الحرب إذ لا خيار آخر أمامهما.
هل تُقدِم السعودية على خطوات تهدّد بتفجير الاستقرار النسبي بل الهشّ في لبنان، ولا سيما بعدما اعتمدت سياسة الهجوم العسكري في اليمن وسوريا والسياسي على أكثر من محور.