IMLebanon

الخطيئة الأولى!

 

«داعش» سيئ وشيطاني ومشبوه وموبوء وابن حرام. لكن أسوأ ما فيه، أو ما أنتجه هو إدخال العامّة والخاصة، الأبرياء الأنقياء والمتهمين المشبوهين على حدّ سواء، في لعبة مقارنة خطرة بينه وبين غيره الأسوأ منه، وإلى حدّ وضع عتاة الطغيان والاستبداد والإجرام والإرهاب في موضع الاحتمال وليس اليقين، بل في موضع القدرة على تقديم طروح في مكارم الأخلاق وحقوق البشر!

وتلك خطيئة توازي كل ما عداها! وتدلّ على إحدى أبرز وظائف ذلك التنظيم الأحجية. أي تدليله، بالفتك الأسطوري وغير البشري الذي يعتمده، على عبث الخروج الجماعي على نظم الطغيان، وعدمية التطلع الى الشمس طرداً لظلام ذلك الطغيان. وصولاً الى جعل التزوير الثقافي والقيمي والضميري عدّة كاملة لأبواق المجرمين.

هكذا أمكن رؤية شجرة أحرقها «داعش» والتغافل الخبيث عن غابة أحرقها الإجرام الأسدي الممانع على مدى أربع سنوات.. رؤية جريمة مروّعة واحدة، والتعامي عن فظاعات وجرائم قتل مئات الألوف من السوريين بالرصاص والصواريخ والسكاكين والسواطير والغاز والكيماوي والسحل والتنكيل المريع.. رؤية مذبحة ارتكبها هؤلاء الظلاميون، والتغافل عن مذابح يومية ترتكبها عصابات الشبّيحة والذبيحة الأسدية المسنودة بميليشيات طائفية كاملة الأوصاف.. رؤية تشنيع متفرق مقصود ومشبوه بقيم مؤاخية لطبائع البشر والعمران، والتعامي عن مدوّنة سلوك متكاملة يستند اليها وعليها نظام الإجرام الأسدي الممانع من أوله الى آخره.

أسوأ ما في «داعش» أنه جعل النص الأخلاقي مادة كلام عند معربدين، وخطاب الحق جزءاً من بلاغة أساطين الباطل، ومسوّدة كلام أهل الحرية والأنسنة نصاً كاملاً في أيدي عتاة الاستبداد ومحامي الشياطين.. صار القاتل الأول بالمعطى العروبي مدّعياً لنبوة عربية حداثية. والفاتك الأول بمقوّمات النزاع مع إسرائيل، المتباكي الأبرز على تراجع «القضية» الى مراتب ثانوية. والمدمّر الأول للعرى الرابطة بين أهل المجتمعات المشرقية، كبير المتأسفين على حال التفتيت والشرذمة. والضارب الأول للمسامير في بيت وحدة المسلمين، النادب الذي لا يهدأ من هول الفتنة السارحة على مداها.. صار «المشرّع» الفعلي لكل قانون فاتك بالجسم العربي هو المدّعي أدواراً وحدوية إحيائية نضرة وريّانة! صار الظلامي الأول حاملاً لمشكاة أنوار الحداثة!

«داعش» وظيفة قبل أن يكون تنظيماً إرهابياً أو دولة لا يكفيها سواد الكون، وظيفة لبّست الشيطان الأسدي أثواب الملائكة. وأنْسَت الناس وقائع طغيان قاهرة، من نوع اعتقال إسرائيل فتاة فلسطينية في الرابعة عشرة من عمرها لأنها رمت حجراً على جنود الاحتلال.. واعتقال إيران صبية حضرت بين رجال مباراة في كرة السلّة!

«داعش» مرآة لمَنْ هو مثلها!