هل تتوصّل المفاوضات اللبنانية – الإسرائيلية إلى ترسيم الحدود؟ إذا كانت تحضيرات التمهيد للإعلان عن هذه المفاوضات قد استغرقت سنوات نجَح خلالها الرئيس نبيه برّي في تعديل الموقف الأميركي غير مرّة نحو الحياد، فإنّ المفاوضات في حدّ ذاتها مُرشّحة لأن تمتدّ أمداً طويلاً. وهذا لن يكون مُفاجئاً. المهمّ أنّ القطار وُضِع على السكة، إلا أنّ المسار سيكون مُضنياً. ولكن لا شكّ في أنّ الجيش الذي سيمثّل الجانب اللبناني في المفاوضات، والرئيس عون الذي سيُشرف عليها (كما أعلن الرئيس برّي أمس) لن يتساهلا مع العدو الإسرائيلي الذي يطمَع في تحقيق نوع من معاهدة سلام مع لبنان، فيما يسعى هذا الأخير إلى مجرّد ترسيم للحدود.
العمليّة ليست سهلة في أيّ حال ولن تكون. فالخلاف البرّي على بضعة كيلومترات يعتبر لبنان أنّ «إسرائيل» إستفادت منها عبر رسم «الخطّ الأزرق»، الذي يتحفّظ لبنان عنه، هذا الخلاف لا يُذكر أمام خطورة الصراع على المياه الإقتصادية لكلي الطرفين… في منطقة بحرية شديدة الحساسية والصعوبة. ويكفي النظر إلى الصراعات اللبنانية – القبرصية – الإسرائيلية – التركية – اليونانية… حول هذه الرقعة الضيّقة من شرق البحر الأبيض المتوسّط ليتبيّن كم أنّ على المفاوض اللبناني أن يتمتّع ليس فقط بالتمسّك بالحقّ، إنما خصوصاً بالصلابة والعلم والمعرفة والوثائق والأسانيد والحجج التي تُثبت هذا الحقّ وتؤكّد عليه.
وبالطبع فإنّ مسألة الغجر ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا ستُشكّل أحد تعقيدات المفاوضات، بالذات لأنّ الجانب «الإسرائيلي» يتمسّك بهذه المناطق ليُبقي على الجمر تحت رماد وضع قابل للإنفجار في أيّ لحظة. وأيضاً لأنّ الجانب السوري لم يُوافق، حتى اليوم، على تزويد لبنان بإقرار منه بأنّ تلك المناطق هي أرض لبنانية وليست سوريّة، كما يُثبِت التقرير الموثّق الذي أودعه لبنان في عهدة مجلس الأمن الدولي.
في أيّ حال، إنها خطوة إيجابية مهمّة يُهنّأ الرئيس نبيه برّي على التوصّل إليها وإن كنّا نعرف سلفاً أيّ مشقّة سيواجهها المفاوض اللبناني… وعلى أمل أن يتحلّى «المايسترو» الأميركي «المُدير» لهذه المفاوضات بالحدّ الأدنى من الصدقية والعدالة.