عندما انحنى فخامة الرئيس ميشال عون للعلم اللبناني، بتأثر واضح، مختصراً في لحظة تاريخية مسيرة نضال طويلة اختتمها العماد بعودة مهيبة الى قصر الشعب، قرأتُ في عينيه وهو يتأمل العلم اللبناني همّه الأكبر، هّم الجنرال «كما نحب دائماً ان نسمّيه»، هم أبعد من المناصب وكرسي الرئاسة، في عينيه هموم المواطنين الذين ذرفوا دموعاً غالية في هذا اليوم التاريخي، همّ بناء الدولة، وإعادة الكرامة عبر إعادة الحقوق وخلق الدولة المنتجة الخالية من الفساد.
ولتحقيق خطاب القسم: «إرساء نظام الشفافية عبر إقرار منظومة القوانين التي تساعد على الوقاية من الفساد وتعيين هيئة لمكافحته، وتفعيل أجهزة الرقابة وتمكينها من القيام بكامل أدوارها»، هناك مقومات أساسية يجب ان تتحقق لتأمين خرق في بيئة الفساد ومن دونها يصبح الحديث عن الشفافية مجرد شعارات:
أولاً – إقرار «قانون الحق في الوصول الى المعلومات» وهو قانون تمّ العمل عليه فترة طويلة لضمانة شفافية الادارة العامة وأدخلنا عليه تعديلات أساسية، ويحتاج الى مزيد من التعديلات ليصبح ملزماً لكل من يؤتمن على المال العام من وزارات ومؤسسات عامة وإدارات عامة ومؤسسات خاصة مكلفة من الدولة لإدارة مرفق عام، بنشر كل حساباته ومصاريفه ومناقصاته بطريقة واضحة على الانترنت تلقائياً، ليتسنى للمواطن الاطلاع على ما يحدث حقيقة من تصرّف بالمال العام، وهذا الاطلاع او المعرفة يمكّن المواطن من إدراك حقيقة الأمور والتمييز بين الفاسد والنظيف، وأن يعرف المعلومات الحقيقية والمثبتة، كما ليدرك الكفوء من غير الكفوء في التعاطي بالشأن العام،
لأنّ الهدر أحياناً كثيرة غير مرتبط بالفساد فقط بل بقلة الكفاءة والمعرفة واتخاذ القرارات الخاطئة، كما أنّ المعرفة الحقيقية في هذا المجال تُخفّف من الاتهامات العشوائية والسياسية، ويصبح وضع اليد على العلة الحقيقية أكثر سهولة، علماً أنّ هذا القانون يحتاج الى مزيد من التعديل ليصبح ملزماً أيضاً للمؤسسات والشركات الخاصة المكلفة بإدارة مرفق أو ملك عام، وليضمّ ايضاً كل عمليات الصرف حتى الاقل من 10 ملايين ليرة لبنانية، بالاضافة الى نشر الرواتب والمخصصات والمكافآت…
ثانياً – إنشاء هيئة وطنية لمكافحة الفساد مرتبطة برئاسة الجمهورية ليكون شعار العهد الجديد مكافحة الفساد وحيث أنّ الرئاسة الاولى هي الحامي الاول للدستور والمؤتمن على مصلحة البلاد العليا.
واستشهد بتجربة سنغافورة ومكتب CPIB (Corrupt Practices Investigation Bureau)، وهي أقدم هيئة لمكافحة الفساد في العالم تأسست منذ العام 1952، وباتت الركن الاساسي اليوم في جعل سنغافورة البلد الأقل فساداً في العالم.
ثالثاً – إنشاء مجلس أعلى للشفافية مرتبط برئاسة الجمهورية مباشرة وإعطائه صلاحيات درس القوانين وتوضيحها، ووضع المراسيم التنفيذية الملائمة لتعزيز الشفافية وإعادة صياغة كل الاجراءات الادارية في الدولة اللبنانية من دون الرجوع الى الادارات المعنية.
انّ الاعتماد على الطرق التقليدية والسماح لبعض الموظفين عابدي النصوص بوضع الاجراءات لإتمام المعاملات هو بحدّ نفسه كمَن يعيّن المتهم قاضياً، فيجب فصل الاجراءات التطبيقية كلياً عن الادارة.
هذه لمحة سريعة لِما نتمنى الانطلاق به كخطوة اولى، نعم هناك الكثير لتحقيقه ولكنه ليس مستحيلاً، فمَن حقّق مسيرة نضال معتمداً على إيمان بالوطن لن يقف عاجزاً أمام المعركة المقبلة، فثقتنا كبيرة بفخامة العماد، رأس الجمهورية و«بَيّ الكل» والأب الروحي للاصلاح والتغيير.